إسلامياتالأسرة والمجتمع

العادات التربوية بين تأثير الغرب ومخالفة أعرافنا الاجتماعية

منذ قديم الأزل تميز المجتمع العربي بعاداته التربوية وأعرافه المميزة له عن سائر المجتمعات، وقد بقي من تلك العادات ما بقى واندثر منها ما اندثر بفعل التقدم التكنولوجي في العصر الحديث، ولكن تظل الثوابت والقيم المجتمعية واحدة لا تتغير، وإن كان المجتمع العربي لُحمة واحدة يجتمع في لغة الضاد فإن العادات والتقاليد تختلف فيما بينها فيه حسب الأعراف المجتمعية اختلافًا طفيفًا فتجد عادات أهل المغرب العربي تختلف عن عادات أهل الشام وتختلف عن عادات أهل الجزيرة العربية، وإن كانت أصولها وثوابتها واحدة ، ولكن بفعل وجود الانترنت في العصر الحديث أصبح العالم كقرية واحدة صغيرة ، وتقدمت الدول الغربية تقدمًا علميًا وتكنولوجيًا لم تشهد له مثيلًا من قبل في تاريخها، وأصبحت الأنظار تتجه إليها من كافة أقطار دول العالم النامي، فسافر الكثيرين من بلاد العرب سعيًا للرزق أوطلبًا للعلم في البلاد الغربية مصطحبين ذويهم لينشئوا في بلاد غير بلادهم وثقافة غير ثقافتهم، فيتعلم أطفال العرب عادات تربوية وتقاليد مختلفة عن عادات وأعراف أجدادهم، وأصبح الإنسان العربيّ غريبًا في بلاد الغرب، وفي السطور القادمة نُسَلِطْ الضوء على العادات التربوية والأعراف العربية وكيفية تأثير الغرب عليها، وعلى التطورات التي طرأت على حياة العرب المغتربين من الدمج والإختلاف بين الثقافات والعادات العربية والغربية.

الفرق بين مصطلحات الفطرة و العادات والتقاليد ( The difference between the terms of instinct and customs and traditions):

العادات : هي أنماط سلوكية ارتضاها الناس و أسسوا حياتهم عليها حتى أصبحت من طرق العيش الروتيني، وتختلف العادة عن الفطرة فالفطرة هي ما جبلنا عليه مثل الأكل والشرب أما العادة فهى الطريقة التي نأكل بها أو نشرب، أما التقاليد: فهى مجموعة قواعد سلوكية اجتماعية توارثها الناس من السلف إلى الخلف فيكون ارتباطهم بها وثيقًا ولا يغيرونها كونهم يكنون لها عميق الاحترام والقناعة مثل صلة الرحم والغيرة على الأرض والعرض، وهناك من التقاليد ما هو سلبي دخيل لا يراعي القيم الدينية والموروثات المجتمعية مثل الأخذ بالثأر وتعصب الجاهلية ونصرة الفرد لآخر من عشيرته ظالمًا كان أو مظلومًا، وهناك فئتان من الناس من يكون سجين عاداته وتقاليده و مَنْ ينفر منها ويعتبرها قيود لحريته وأهوائه ولا يقيم إيجابياتها الفضيلة، والأجدر هو التفريق بينهم والقضاء على العادات والتقاليد الدخيلة التي تلحق الضرر بالمجتمع من خلال وعيهم وإدراكهم في التمييز، إذًا فالعادات والتقاليد هي من تحدد هوية المجتمع وتعطيه صبغته وأعرافه الخاصة إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزها أو تجاهلها فهي المتحكمة في تسيير أمور الناس.

أقسام العادات والتقاليد ( Types of customs and traditions):

  1. العادات والتقاليد الحميدة : التي تساعد على توطيد أواصر التراحم والترابط بين فئات الناس المختلفة في المجتمع الواحد فيكون المجتمع قادرًا على ترميم نفسه بنفسه دون الحاجة إلى تدخلات خارجية.
  2.  العادات والتقاليد السلبية : التي قد تلحق الضرر بفئات معينة من المجتمع قد يكون بسبب هضمها لحقوق هذه الفئات وإنكار حقوقهم في الحياة  المجتمعية.

نفحات من التربية النبوية ( Whiffs of prophetic education):-

  1. أسلوب التودد والدعاء والدعوة إلى القدوة الحسنة ، فقد أخرج البخاري ؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما  قال : ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم  وقال : “اللهم علمه الكتاب”.
  2. استخدام أسلوب الحوار لإثارة عواطف المربي وانفعالاته في سبيل تحقيق سلوك حسن والابتعاد عن السلوكيات الخاطئة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : “أتدرون ما الغيبة ؟” ؛ قالوا : الله ورسوله أعلم ؛ قال : “ذكرك أخاك بما يكره”.
  3. استخدام غريزة حب التقليد للقدوة الحسنة في نفوس البشر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “صلوا كما رأيتموني أصلي”.
  4. التزام العدل واجب على المربي مع من يربيهم كيّ لا تنمو الغيرة والحسد في النفوس ، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما  أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال : إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : “أفعلت هذا بولدك كلهم ؟” ؛ قال: لا ؛ قال: “اتقوا الله واعدلوا في أولادكم” ؛ قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة. متفق عليه
  • من العادات التربوية لدى المجتمع العربي ( One of the behavioral habits of the arabs):
  1.  تقدير واحترام العائلة فالأسرة هي مركز الشرف والولاء وسمعة العرب والذكور دائمًا هم أرباب الأسرة العربية، فيجب أن يكون لكل أسرة قائد فرب البيت يكون الأب في العادة إليه يرجع مصير وشأن ومكانة الأسرة في المجتمع، ويلتزم رب الأسرة العربيّ بالصرف على زوجته وأبنائه ذكورًا وإناثًا حتى تكون لهم حياتهم الجديدة من أسر واستقرار وعمل جديد.
  2.  الكرم من العادات المتأصلة لدى العرب ، فقديمًا قالوا إذا أثنيت على شئ يملكه عربيّ فسيصرْ عليك أن تأخذه.
  3.  كرم الضيافة من أبرز العادات العربية فتقدم المشروبات والحلويات، ويعتبر العرب أنه من غير المناسب تناول كل شئ على طبق واحد، ووجبة الطعام عادة ما تكون في ختام الحديث ويجب سكب الطعام في وعاء كبير تعزيزًا لحسن كرم  الضيافة.
  4. من آداب الجلوس، تجنب شد الساقين أو الجلوس أعلى من الآخرين أو الميل على الجدران.
  5.  من آداب الحديث عدم التحدث بصوت عال.
  6. من آداب الدخول خلع الحذاء عند مدخل البيت وتركه قبل الدخول.
  7.  لا يرتدي الرجال سراويل قصيرة، ولا ترتدي النساء ملابس قصيرة أو عارية بل يرتدين الحجاب كدليل على الاحترام حتى وإن كن يرتدين ملابس غربية.
  8.  يمتنع العرب عن أكل الطعام المحرم مثل: لحم الخنزير والطيور الجارحة ، وعدم شرب المشروبات المحرمة مثل: الخمر.
  9.  للعرب تجمعات مميزة في الأعياد، فيقومون بصنع أنواع خاصة من الحلويات في الأعياد تتشابه أو تختلف من بلد إلى آخر مثل الكعك والمعمول والبسكوت.
  10. الاحتفال بقدوم شهر رمضان المعظم فيتم تزيين الشوارع وإضاءتها بالزينة الورقية والفوانيس، وإقامة موائد الرحمن للفقراء والمحتاجين.
  11. من آداب التحية لدى العرب ألا ينزع المضيف يده من يد ضيفه قبل أن ينزعها الضيف بنفسه.
  12. يقوم رب الأسرة أو الأم بتعليم أطفالهم أساسيات القراءة والكتابة فهم المعلم الأول في حياة الطفل قبل دخوله المدرسة، وقديمًا كان العرب يرسلون أطفالهم إلى البادية ليتقنوا اللغة العربية من أصولها في البادية ولا يرجعون الطفل إلى أهله قبل أن يبلغ ست سنوات يكون قد شرب فيه اللغة العربية وأتقن علومها المختلفة فقد كان من يلحن في العربية قديمًا يُعَيّر لجهله وضئالة علمه بها.
  13. للأم الدور الأعظم في تربية النشء فيتميز دورها بتقويم سلوكيات الطفل الاجتماعية وتقوم بتعليمه اكتساب المهارات الحياتية الأولى اللازمة له قبل إدخاله المدرسة واندماجه في المجتمع.
  14. المعرفة الدينية للطفل تتكون أولًا من معلوماته الأولى التي يكتسبها من الوالدين حتى تكتمل معرفة القيم الدينية والأخلاقية بمشاركة المدرسة فيما بعد.
  15. تتميز الأسر العربية بعادات صلة الأرحام فيما بينها باختلاف أشكالها مكالمات كانت أو زيارات.
  16. يتم مقارنة الأطفال بأقرانهم الأطفال في مختلف الأفعال والسلوكيات فينتج عنه ضعف شخصية الطفل واختلال في صحته النفسية.
  17. يقل الاهتمام بالجانب العلمي في تدريس الأطفال مقارنة بالاهتمام به في المدارس الغربية.

من العادات التربوية لدى المجتمع الغربي ( One the behavioral habits of the western society):

  1. لا يوجد رب الأسرة في المجتمعات الغربية بالتالي لا يوجد قائد يرجع إليه أفراد الأسرة في الإستشارة في شئون الحياة المجتمعية.
  2. جميع أفراد الأسرة متساوون في الشئون المالية فبقدر ما ينفق الأب على الأسرة تنفق الأم أيضًا.
  3. لا ينشأ الأطفال على تعاليم دينية محددة فأغلب الأطفال في الدول الغربية يتم تركهم حتى يدركوا سن التمييز ويقومون باختيار ديانتهم بأنفسهم.
  4. لا يلتزم الوالدين أو من يقوم بالشئون المالية للمنزل بالصرف على أبنائهم قانونيًا عندما يدركوا ستة عشر عامًا ، ولذلك أضرار جسيمة على حياة النشء فالكثير منهم يضل الطريق حينها و يندرجون إلى سلوكيات المجتمع السيئة لأنهم يكونوا تحت تأثير الأخلاء و الأقران فلا يوجد رب أسرة يقوم بتوجيههم إلى الصواب.
  5. لا يوجد قانون للملبس لدى الغرب كالذي يوجد لدى العرب من القيم الدينية ؛ فالرجال والنساء لهم الحرية في ارتداء ما يشاؤون فينتج عن ذلك الإنحراف الأخلاقي.
  6. لا يلتزم الوالدين بتعليم أطفالهم أساسيات التعليم بأنفسهم قبل دخولهم للمدرسة فغالبًا ما يتركونها لجليسة الأطفال ثم تكون للمدرسة فيما بعد ، وذلك عكس تمامًا الأسرة العربية.
  7. لا تلتزم الدول الغربية بتجمعات معينة في المناسبات و الأعياد مما ينشئ عنه خلل في السلوك الاجتماعي لدى الأطفال نتيجة لعدم الترابط والتلاحم بين أفراد المجتمع الواحد.
  8.  في الأسرة الغربية تنقسم الأعمال المنزلية بين أفرادها بالتساوي فكل فرد يقوم بالتنظيف المنزلي وطهي الطعام فيأكل الأفراد في أوقات مختلفة عكس الأسرة العربية التي تقوم فيها الأم بإعداد الطعام لكافة أفراد المنزل ويجتمعون حول المائدة الواحدة.
  9.   لا يوجد التمسك بعادات صلة الأرحام في المجتمع الغربي كما هى في المجتمع العربي ، فقد لا يعرف الشخص سوى أسرته الصغيرة وأجداده فقط.
  10. لا يوجد التمسك بعادات معينة في الحديث مع الأشخاص أو هيئة محددة للجلوس معهم.
  11. بما أن المجتمع الغربي يؤمن بالحرية قبل المعتقدات الدينية فلا يوجد قانون للتمسك بملابس معينة فلك مطلق الحرية في ارتداء ما تشاء وإن كانت حتى تخالف قيم المجتمع.
  12. إن قمت بزيارة لأحد أفراد المجتمع الغربي وقام بسؤالك هل يضيفك قهوة ؟ ؛ وقلت أنت لا ، فلا يضيفك شيئًا ، فلا توجد هناك عادة الإصرار التي تكون لدى العرب.
  13. الغالبية من أفراد المجتمع الغربي يجب ألا تطلب منه شيئًا في سبيل الكرم ولكن إن أراد إعطاء شيئًا سيهديك إياه على سبيل الهدية في مناسبة ما.
  14. المدارس في المجتمعات الغربية تقوم بتهيئة الجانب العلمي و تشكيله لدى الطفل قدر ما يستوعب عقله وقدراته المميزة في أبهى صورة ، ولكن تقوم بإهمال الجانب الديني و الإجتماعي بشكل كبير ويرجع ذلك غالبًا لإيمانهم التام بالحرية المطلقة لدى الأفراد.
  15. لا يقارن الأطفال بغيرهم من أقرانهم الأطفال ، فلك الحرية في اختيار طريقك العلمي و السلوكي وذلك يساعد على تقوية شخصية الطفل وعلى سلامة الصحة النفسية لديه.
  16. غالبًا الخلل الاجتماعي الأخلاقي لدى الأطفال ينتج عنه انحراف سلوكي جزئي أو تام ، أما الخلل الاجتماعي الانطوائي غالبًا ما ينتج عنه خلل عضوي ولغوي.

أثر الدمج بين العادات العربية و الغربية على حياة الطفل العربي المغترب في بلاد الغرب ( The effect of merging two different cultures on the arab immigrant child):

  1. يضطرب مفهوم الاهتمام بالقيم الدينية تدريجيًا لدى الطفل.
  2. يحدث اضطراب في مفهوم الحرية بين القيم الشخصية والأعراف المجتمعية لدى الطفل .
  3. ينسلخ الطفل تدريجيًا من هويته ولغته العربية ، فيصبح حائرًا بين ثقافته وقيمه العربية والثقافة الأخرى الدخيلة عليه ؛ فإما تؤثر عليه أو يؤثر عليها.
  4. قد يتسبب الدمج بإنتاج خلل اجتماعي انطوائي لدى الطفل فينتج عنه خلل عضوي ولغوي.
  • كيف نحافظ على هوية الطفل العربي المغترب (How do we preserve the identity of the arab immigrant child):
  1. الأسرة هي المعلم الأول والأقدر على الحفاظ وترسيخ العادات والقيم الإيجابية لدى الطفل وذلك يبدأ من غرس المفاهيم والتعاليم الدينية في نفس الطفل.
  2. يقع على الآباء الجمع بين القيم و الوسائل الحديثة في الاتصال وبين الحفاظ على العادات والتقاليد الحميدة الموروثة.
  3. الاهتمام بتعليم اللغة الأم للطفل قبل الاهتمام بتعليم أي لغة أجنبية أخرى ، فاللغة مفتاح الهوية ، فكيف تقول أنا عربيّ إن لم تكن أبحرت في لغة الضاد ؟!
  4. غرس مفاهيم الثقافة العربية في نفس الطفل قبل تعليمه أي ثقافة أجنبية أخرى.
  5. الاهتمام بالإعلام وما يبث من خلال الأفلام والرسوم المتحركة فقد يظهر فيها ما ينافي عادات المجتمع وتقاليده مما يؤثر على الجيل الناشئ من الأطفال في المستقبل.
  6. تقنين استخدام الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، فقد أثبتت الدراسات المجتمعية أن استخدامهم بكثرة قد يُعززْ من فرص الإصابة بمرض التوحد.

وختامًا هذه الدراسة كانت بحصر الأعداد من الغالبية العظمى لا بالشمول ، فهناك من العرب من جمع لأبنائه ويسر لهم سبل النجاح والرفعة وعلو المكانة بالجمع بين القيم العربية المجتمعية والجانب العلمي الغربي ، ومن هؤلاء الكثيرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى