أصل اللغة البشرية : اللغات السامية كمثال
The origin of the human languages : Semitic languages as an example
بعد استخلاف الله تعالى آدم عليه السلام في الأرض ، استكمل الله تعالى خلق بقية البشر مختلفةً ألوانهم وألسنتهم من ذرية أبو البشر الثاني نوح عليه السلام الذي إليه يرجع نسب البشرية جمعاء ، قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) [ الآية 22 – سورة الروم] .
فبعد أن أهلك الله تعالى الكافرين في زمن نوح عليه السلام بالطوفان ونجّاهُ ومن معه من المؤمنين في الفلكِ المشحون فإن الله تعالى لم يجعل لأحدٍ من المؤمنين ممن كان معه نسلًا ولا عقبًا سوى نوح عليه السلام قال تعالى (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) [ الآية 77 – سورة الصافات ] ، فكل من على وجه الأرض من سائر أجناس بني آدم ينسبون إلى أولاد نوح عليه السلام الثلاثة وهم: سام وحام ويافث ” كتاب البداية والنهاية – ابن كثير” .
وربما لا يُتْحِفُنا التاريخ بمعرفة أصل اللغة البشرية تحديدًا على وجه الأرض ، ولكن إن أمعنا النظر فهناك بعض الدراسات البحثية التي أفادت أن اللغة البابلية أقدم لغات الأرض التي تكلم بها البشر قبل خمسة آلاف سنة وفقًا لاكتشاف سجلات عنها مكتوبة ومعروفة إلى الآن والقرآن الكريم أشار إلى الحضارة البابلية في أرض العراق عن طريق سرد قصة إبراهيم عليه السلام مع النمرود بن كنعان أعتى ملوك أرض بابل ، وتم اكتشاف كتابات باللغة الهيروغليفية المصرية القديمة قبل خمسة آلاف عام ؛ فالهيروغليفية كانت لغة الفراعنة على أرض مصر التي مرَّ عليها أنبياء كثيرون على مختلف عصور التاريخ مثل إدريس وإبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وهارون عليهم السلام ، كذلك أيضًا وُجِدَت كتابات مكتوبة باللغة الصينية ترجع إلى قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة.
وهناك رأيٌ يقول بأن آدم عليه السلام تحدث باللغات كلها ، قال تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [ الآية 31 – سورة البقرة ] ، فالأسماء هنا بمعنى الأحرف والكلمات التي ألهمه الله تعالى معرفتها ، وهناك قائلٌ يقول بأن آدم عليه السلام تحدث باللغة العربية ومنها اشتقت بقية اللغات المختلفة مستندًا إلى أن اللغة العربية لغة حيّة أصيلة تحتفظ بكامل خصائصها اللغوية من إعراب واشتقاق وبلاغة ومعاني وغيرها إلى يومنا هذا.
- نشأة اللغات البشرية ( The origin of human languages):
يبقى ظهور اللغة الأول على الأرض غامضًا منذُ آلاف السنين لم يستطع العلماء الشروع في تفسيره بعد ، لكن بعد أن انتشرت ذرية نوح عليه السلام على الأرض تعددت الألسن واختلاف اللهجات فهنالك ما يقرب من خمسة آلاف لغة متداولة حول العالم يتحدث بها سكان الأرض فأبناء سام بن نوح عليهما السلام هم الفرس والعرب والروم وأبناء يافث بن نوح عليهما السلام هم الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج أما أبناء حام بن نوح عليهما السلام فهم القبط والسودان والبربر ، و تنقسم اللغة الأم في البداية إلى لهجات متعددة بحسب الموقع الجغرافي ثم تبدأ هذه اللغات تتمايز تدريجيًا حتى تتحول إلى لغات جديدة وتتفرع عنها فيما بعد لهجات عامية لكافة الناس ، وقد تطورت اللغة تدريجيًا مثل التطور البيولوجي للإنسان ، وبذل علماء اللغة مجهودات كبيرة ساعدت في رصد السمات المشتركة في تطور اللغة عبر العصور ، فتم تصنيف اللغات لمجموعة من الأسر والأسلاف بلغ عددها 20 أسرة من حيث السمات المشتركة بين اللغات سواءًا من ناحية الصوت “الفونولوجيا” أو من ناحية التصريف “المورفولوجيا” ، ومن اللغات ما هو حيٌّ يُتَدَاول وآخر انقرض واندثر.
- مصطلح اللغات السامية ( The Semitic languages term):
تُنْسَب اللغات السامية إلى سام بن نوح عليهما السلام ، وأول من أطلق مصطلح “اللغات السامية” هو العالم الألماني “شلوتزر” وذلك في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي سنة 1781م ، واللغة السامية الأم هي اللغة التي افترضها العلماء في الأصل من اللغات المتداولة في منطقة الشرق الأوسط والتي يمكن اشتقاق سماتها من السمات الثابتة تاريخيًا لمختلف اللغات السامية ، ويرجح العلماء أن اللغة السامية الأم كانت لغة موحدة لكن لها عدة لهجات ولا يمكن اعتبار لغة سامية بعينها أقرب إلى اللغة السامية الأم ، وهناك من يرجح أن اللغة العربية هي الأقدم والأقرب إلى اللغة السامية الأم وآخرون يعتقدون أنها العبرية وهناك أقوال أنها قد تكون الآشورية وأخيرًا قول أنها اللغة البابلية ، ويفترض العلماء أن اللغة السامية الأم تشعبت في تطورها إلى سامية شرقية وسامية غربية.
- تدوين اللغات السامية (Notation of Semitic languages):
وسيلة حفظ اللغة عبر مراحلها المختلفة عن طريق تدوينها عبر الكتابة فقط وهناك اختلافات كثيرة بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة ، وتم تدوين بعضًا من اللغات السامية قديمًا فيما عُثِرَ عليه مكتوبًا على المعابد والقبور القديمة وسُمِّيَّت تلك الكتابة بالنقوش وأكثرها كانت نقوش نبطية وعربية وسبئية ، وقد وضع السومريون الخط المسماري الذي استخدمه من بعدهم البابليون والآشوريون في النقش الفينيقي خلال فترة القرن العاشر قبل الميلاد ، أما عن أول ما وصل إلينا من اللغة الكنعانية فهو نقش ملك مؤاب خلال فترة القرن التاسع قبل الميلاد ، وأقدم ما وصل إلينا من اللغة العبرية المُتَعارف عليها في العهد القديم هو نقش السلوان بالخط العبري ويرجع إلى فترة القرن الثاني قبل الميلاد ، أما عن أقدم ما وصل إلينا من اللغة الآرامية فهو نقوش أمراء سمأل في تل زنجيرلي ، وأخيرًا أقدم ما وصل إلينا من اللغة العربية هو نقش النمارة الذي يرجع إلى القرن الرابع قبل الميلاد.
أما عن الخطوط السامية فليس هناك دليل على أصل الخط السامي القديم ، ويعتبر الخط الحبشي هو الوحيد بين الخطوط السامية القديمة الذي لا تكتب فيه الحركات القصيرة بل إن الفونيمات فيه مقطعية تحمل حركاتها فيها ، وتعتبر اللغة العربية هي أحدث لغة دونها أهلها محتفظة بكامل خصائصها وأقدم نص ثابت لنا مكتوب بها هو القرآن الكريم ، لذلك فإن أقدم خط سامي هو الخط المسماري وأحدث خط هو الخط العربيّ المستخدم الآن في اللغة العربية مع زيادة رموز الحركات الطويلة والقصيرة عن طريق الكتابة فقط وليس عن طريق النطق.
- موطن الساميين الأول ( The first homeland of the Semitic):
اختلف العلماء في موطن الساميين الأوائل وهم بذلك على ستة آراء :
- الحجاز ونجد ، وقد قال بذلك العالم “شبرنجر”.
- شمال أفريقيا ، وقال به العالم “جيرلاند”.
- ضفاف الفرات ودجلة بين العراق وأرمينيا ، وقد قال بذلك العلماء “فون كريمر ، وجويدي ، و هومل”.
- سوريا وأرض كنعان ، وقد قال به العالم “جون بيترس”.
- بلاد الحبشة ، وقد قال به “بلجريف”.
- جنوب غرب شبه الجزيرة العربية في بلاد اليمن ، وقد قال بذلك العلماء “كارل بروكمان ، ورينان ، وفلبي”.
- أماكن تواجد اللغات السامية جغرافيًا ( Geographical locations of Semitic languages):
- لغات سامية جنوبية غربية : التي يندرج تحتها اللغة العربية بأقسامها الفرعية المختلفة واللغة الأمهرية التي يتحدث بها سكان أثيوبيا ويتحدث بها أيضًا بعضًا من سكان اليمن والمملكة العربية السعودية خاصة في منطقة الربع الخالي.
- لغات سامية شمالية غربية : ويندرج تحتها اللغة الكنعانية و اللغة الآرامية ، وتحت هاتين اللغتين العديد من اللغات المختلفة لعل أبرزها “اللغة العبرية” التي تندرج تحت الكنعانية الجنوبية.
- لغات شرقية : والتي يندرج تحتها اللغة الأكادية ويرجح العلماء أنها أقدم لغة سامية تعود إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد وقد دلّ على وجودها النصوص المسمارية المكتشفة حديثًا ، ويندرج تحت اللغة الأكادية لغتين هما اللغة البابلية واللغة الآشورية.
- أشهر اللغات السامية المتداولة والمنقرضة ( The most common and extinct Semitic languages):
- اللغة العربية : من أشهر وأعرق اللغات السامية قاطبة لأنها من أكثر اللغات حفاظًا على سمات اللغة السامية الأم نظرًا لحفظ شتّى قواعدها بالهيئة التي تكّلّمَ بها المتحدثين الأوائل بالعربية إلى يومنا هذا ، ويتحدث بها حوالي أربعمائة واثنين وعشرون شخص على مستوى العالم.
- اللغة الأمهرية : من عائلة اللغات السامية الجنوبية الغربية وهي من أكثر اللغات السامية انتشارًا يتحدث بها حوالي 27 مليون شخص على مستوى العالم وهم سكان أثيوبيا واليمن وبعض سكان الربع الخالي في المملكة العربية السعودية.
- اللغة التيغرينية : وهي اللغة الرسمية لدولة أريتريا يتحدث بها حوالي 6.7 شخص على مستوى العالم.
- اللغة العبرية : تحتل المرتبة الثانية بعد اللغة العربية من حيث قرب سماتها للغة السامية الأم مع بعض التغييرات في الصوتيات وتصريف الأفعال ، واللغة العبرية القديمة اقتصرت على الطقوس الدينية فقط والتي بدأت في الاندثار من القرن الخامس قبل الميلاد أما المنتشرة حاليًا هي اللغة العبرية الحديثة ، ويتحدث باللغة العبرية حوالي 5 مليون شخص على مستوى العالم.
- اللغة الأكادية : اشتقت منها اللغتين البابلية و الأشورية وهم اندثروا حاليًا ولم يتبقى من يتحدث بهم نتيجة عوامل الإهمال لقواعد اللغة وعدم التدوين مما ساهم بشكل كبير في اختفاء اللغة حاليًا رغم وجود النصوص التاريخية الدالّة عليها.
خصائص اللغات السامية ( Characteristics of Semitic languages):
من الخصائص الصوتية للغات السامية ( Among the phonemic characteristics of Semitic languages ):
- كثرة الأصوات الصامتة مقارنة بالصوائت.
- وجود مجموعة من الأصوات الطبقية مثل “ث – خ – غ”.
- وجود صوت لهوي وحيد وهو “القاف”.
- وجود صوت الضاد تحديدًا في اللغة العربية واللغة الحبشية ، أما في اللغة السريانية فيتحول صوت “الضاد” إلى “عين” ، وفي اللغة العبرية يتحول صوت “الضاد” إلى صوت مزدوج ينطق مثل صوتيّ التاء الساكنة مع الصاد.
5-وجود مجموعة من الأصوات اللثوية الأسنانية مثل “ث – ذ – ظ”.
من الخصائص الدلالية للغات السامية ( Among the semantic characteristics of Semitic languages):
- التشابه في بعض ألفاظ القرابة مثل “أب – أم – أخ – أخت – ابن – عم”.
- التشابه في بعض ألفاظ أسماء الظواهر الطبيعية مثل “أرض – سماء – ماء – نور – شمس”.
- التشابه في ألفاظ الضمائر الشخصية.
- التشابه في الألفاظ الدالة على ضروريات الحياة كالطعام والشراب والمأوى والملبس.
- التشابه في بعض الألفاظ الدالة على أعضاء جسم الإنسان مثل “عين – يد – أذن – فم”.
- التشابه في ألفاظ بعض الحيوانات مثل : “كلب – أسد – ثور – حمار”.
- التشابه في ألفاظ الأعداد.
- شيوع الألفاظ المفردة وندرة الألفاظ المركبة.
- استخدام المعاني المجازية عن طريق الاستعارة والكناية فينتج عن ذلك : الترادف والمشترك اللفظي والتضاد.
من الخصائص النحوية التركيبية للغات السامية ( Among the syntactic and structural characteristics of Semitic languages):
- ظاهرة توازي الجمل أي تشابه الجمل في تركيبتها.
- وجود الجملة الفعلية كثيرًا.
- قصر الجمل ؛ حيث تتكون الجملة من ركنين أساسيين هما : المبتدأ والخبر في الجملة الاسمية ، والفعل والفاعل في الجملة الفعلية.
- استخدام حرف الواو للعطف في ربط الجمل مع أدوات العطف الأخرى.
- وجود الإعراب للتفريق بين المواقع الوظيفية المختلفة للكلمة داخل الجملة.
- من الخصائص الصرفية للغات السامية استنادًا إلى الكلمة المفردة وطريقة بنائها ( Among the morphological characteristics of Semitic languages based on the single word and its construction method) :
- ليس للفعل فيها إلا زمنان رئيسيان هما : ماضٍ ومضارع.
- تحتوي على بعض الكلمات أحادية الجذور الثنائية مثل : أسماء الأقارب وأعضاء الجسم “دم – يد – أب – أخ – عم”.
- في الأغلب فيها يؤنث الاسم والصفة بإضافة “تاء التأنيث”.
- معظم كلماتها ثلاثية الجذور أي ثلاثية الأصل.
- لا تبدأ الكلمة فيها بصوت ساكن غير متحرك ، وإذا حدث و جائت كلمة أولها صامت ساكن فيتم إضافة همزة وصل إليها وذلك كما يحدث في الأفعال الخماسية والسداسية ومصادرها في اللغة العربية ، أما في اللغات الهندوأوروبية فيجوز البدء فيها بساكن مثل : “play” يلعب ؛ فصوت البدء هنا ساكن.
- تعبر عن تصريفات الحدث بالاشتقاق الداخلي وليس عن طريق اللواصق واللواحق ، ومثال لذلك الجذر “علم” يتم اشتقاق منه تلك الكلمات الآتية : “يعلم – اعلم – عالم – عليم – عَلَم – عَلِم – عِلْم – عالمين …… إلخ” وأساس الاشتقاق الداخلي يكون على الحركات “الصوائت”.
- لا يتم استخدام النحت في كلمات اللغات السامية إلا قليلًا جدًا.
- توجد بعض الكلمات في اللغات السامية أحادية الجذور بصورة قليلة جدًا مثل : “فو – ذو”.
من أشهر الباحثين في علم اللغة المقارن اختصاصًا بعلوم اللغات السامية ( Among the most famous researches in comparative linguistics specializing in Semitic linguistics):
- من المستشرقين الغرب :
“إسرائيل ولفنسون – إدوارد ألندورن – أنطوان مييه – برجشتراسر – دي لاكي أوليري – فولفرام فون سودان – لاجارد – وليم رايت – أرنست رينان – أنطوان شبتيالر – بارت – تيودور نولدكه – زيميرون – كارل بروكلمان – موسكاتي”
- ومن أشهر الباحثين العرب:
“بحر عبد المجيد – خليل نامي – د. رمضان عبد التواب – د. علي عبد المجيد وافي – د. محمود فهمي حجازي – مرمرجي الدومنكي – د. مراد كامل – د. عوني عبد الرؤوف – د. عبد المجيد عابدين – د. ربحي كمال – د. حسن ظاظا – د. إبراهيم السامرائي”