لعلّ أكثر مشاهد الدنيا المؤرّقة في عين أيّ أبٍ أو أمّ هو رؤية أحد أبناهم يئنّ ألماً! ولطالما كانت التربية في أذهاننا مقتصرة على تأمين المأكل، الملبس، التعليم، والسلامة الجسديّة! إلا أنّ مستجدّات العصر واتّساع آفاق العلم الحديث أبرزت جانباً مهمّاً تعدّ العناية به استثماراً حقيقياً في تنشئة جيل المستقبل. ألا وهو الصحّة النفسيّة.
فبحسب التقارير الإحصائية الصادرة عن مركز مكافحة الأمراض CDC في الولايات المتحدّة، يسجّل تشخيص الأطفال باضطرابات الاكتئاب والقلق والاضطرابات السلوكيّة والتطوريّة ارتفاعات مستمرّة. ممّا يؤكّد أهمّية العناية النفسية التي يجب أن يحظى بها الطفل لتحقيق التطوّر السويّ والنموّ النفسيّ والسلوكيّ.
أبرز أساسيات التربية النفسيّة السليمة للطفل:
- الحبّ غير المشروط Unconditioned Love:
إن شعور الطفل بالقبول والحبّ لذاته لا لإنجازاته، وبأنّ أخطاءه وعثراته قابلة للإصلاح ولن تغيّر من شعوره بالأمان في أسرته، ينمّي ذلك كلّه شعور الثقة وتقدير الذات بداخله. ويبعده عن مشاكل الانزواء وتفضيل العزلة أو ضعف تقدير الذات.
- الاحتضان والدعم Support & Embracement:
من أهمّ العوامل المساهمة في تطوّر الطفل واكتسابه مهارات جديدة، شعوره بالدعم والتشجيع. فعلى الوالدين استيعاب قدرات طفلهم لتحديد الأهداف الواقعيّة التي يمكن له إحرازها. وكذلك الابتعاد كلّ البعد عن الاستهزاء أو التقليل من قدره وإنجازاته.
- التوجيه والإرشاد To Guide & Direct:
ليستكشف الطفل العالم من حوله، يسعى دوماً لخوض تجارب جديدة. إلا أنّه وبالمقابل، لا بدّ من أن تلعب الأسرة دور المنارة التي ترشد الطفل في رحلته، وتحدّد بأسلوب رفيق السلوكيّات غير المقبولة، والقواعد التي عليه ألا يتجاوزها. وإنّ ترسّخ هذه المنظومة القواعديّة في شخصيّة الطفل، سيجعل منه شخصاً أكثر انضباطاً في مدرسته، ومن ثم في عمله المستقبلي. فيكون الهدف لا مجرد مراقبته والسيطرة على سلوكيّاته، وإنّما إكسابه صفة استشعار المسؤوليّة وتعزيز الرقابة الذاتيّة في داخله.
- الاستقرار Stability:
تعتبر مظاهر التفكك والعنف الأسري، ضعف الدخل الاقتصادي وسوء المسكن عقبات مهمّة تعرقل سلامة الطفل النفسية. وكثيراً ما يؤدّي شعور الطفل الدائم بالخوف والقلق إلى الإصابة بالاضطرابات النفسيّة بما فيها: اضطراب التجسيد، الاكتئاب، محاولة الانتحار، اضطراب القلق الجسيم، الرهاب… إلخ.
ونظراً لهشاشة الطفل النفسية وكونه أكثر تأثراً بالظروف المحيطة -وخاصّة المتعلّقة منها بأحد أبويه- فلا بدّ من الوعي بأهمّية تجنيب الطفل العوامل التي تثير قلقه وذعره. والاجتهاد في إشعاره بالطمأنينة في ظلّ المحن العابرة.
- البيئة المحيطة في الحضانة أو المدرسة Surrounding Environment in School/Kindergarten:
لا بدّ من التأكّد من شعور الطفل بالراحة في البيئة التي تحتويه خارج نطاق منزله. فمن الضروريّ وجود التواصل الفعّال مع المدرّسين، التعرّف على الأصدقاء المقرّبين، والتأكّد من سلامة علاقاته وأدائه الاجتماعيّ وعدم تعرّضه للمضايقات، التعنيف أو التنمّر.
أهمّ الأعراض المنذرة التي تستدعي استشارة أخصّائيّ بالصحّة النفسيّة:
- تراجع الدرجات الدراسيّة رغم بذل جهود كبيرة
- تكرّر نوب من القلق والخوف
- رفض الذهاب إلى المدرسة
- الكوابيس الليليّة المتكرّرة
- فرط النشاط وزيادة الفعاليّة الحركية مع صعوبة التركيز والانتباه
- الإقدام على إيذاء النفس أو محاولة الانتحار
- الميل للعنف والعصيان الدائم للأوامر
- نوب الغضب الشديدة
- الاكتئاب والانخفاض المزاجي لفترة مطوّلة تؤثّر على نمط حياته ونشاطه المدرسيّ
إنّ حساسيّة الطفل وتأثّره الشديد بالظروف المحيطة، والتأثير البالغ للحالة النفسيّة في السنين الأولى بما سيكون عليه الشخص بعد البلوغ، تلقي مسؤوليّة كبرى على عاتق الأسرة والمجتمع لتوجيه عناية خاصّة بالتربية النفسيّة التي يتلقّاها الطفل والبيئة الحاضنة التي يترعرع ضمنها.
ولنتذكّر دوماً بأنّهم أمانة .. ونواصل السعي إلى أدائها على وجهها الأكمل.