يسعى الناس عادة إلى أفضل سُبُل الرخاء ، وذلك بالأخذ بأسبابٍ كثيرة منها السفر ، فالسفر هو شئ لا زال أغلب الناس يفعلونه في فترة ما في حياتهم سواء كانوا مضطرين إليه أم لا ، فقديمًا كان الناس يلجأون للسفر في حال اضطروا إليه فقط كـ السفر من أجل التجارة ، فمنذ زمن الأنبياء السابقين من أبناء إبراهيم عليه السلام حتى زمن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم كان سفر التجار ليس قائمًا على الأموال بل على مبادلة البضاعة التي يتم تصنيعها أو زراعتها في موطن التاجر الأصلي إلى بضاعة أخرى من البلد التي يقوم التاجر للسفر إليها بهدف المتاجرة فيها ، وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم رحلتيّ تجار قريش السنوية التي كانوا يقومون بالمتاجرة فيها في الشتاء والصيف (لإيلاف قريش {1} إيلافهِم رحلة الشتاء والصيف {2}) [سورة قريش] ، وقد كان حينها يتم استخدام الحيوانات من إبل وخيل كوسائل التنقل بين البلدان ، لكن ما إن تقدمت البشرية اختلفت أهداف السفر مع بقاء شيئًا من أهداف السفر القديمة ، فمن من الناس الآن لم يضطر يومًا أن يسافر من المكان الذي يعيش فيه إلى مكان آخر بهدف العمل ؟! ، ومن لم تمنيه نفسه يومًا بالسفر إلى قضاء الشعائر الدينية ، وهناك ملايين الناسٌ على مستوى العالم الذين قد يضطرون إلى السفر بدوافع مختلفة من بينها دافع التعليم أو توفير فرصة عمل وارتقاء مستوى المعيشة لعائلاتهم بشكل أفضل ، وهناك من الناس من يضطر إلى الهجرة رغمًا عنه إن كانت بلاده الأصلية منكوبة بالحروب والأزمات الاقتصادية ، وأخيرًا هناك فئة أصحاب الأموال الذين يمتلكون شركات في دول كثيرة على مستوى العالم و يضطروا للسفر لإدارة الأعمال بين شتى البلدان ، ومن تلك الفئة من يسافر ليس لشئ إلا لغرض المتعة والتعرف على ثقافات البلدان الأخرى بشكل أكبر أو منهم من يكون غرضه دخول موسوعة “جينيس” للأرقام القياسية بالسفر إلى أكثر عدد ممكن من البلدان والقارات باستخدام وسائل النقل المختلفة التي قد تُشَكِل إعجازًا أحيانًا مثل السفر بواسطة “الدراجة”.
وقد كان السفر قديمًا من أصعب الأشياء التي تستغرق فترات زمنية كبيرة وذلك لاعتماد وسائل النقل فيه على الحيوانات ، لكن السفر أصبح في العصر الحالي مُيسرًا بشكل كبير وذلك للتطور الذي حدث في وسائل النقل وتنوعها بين وسائل النقل الجوية والبحرية والبرية ، فإن كنت من هواة السفر لأي غرضٍ ما فـقد تهمك تلك السطور القادمة :
- الفرق بين مفهوم “السفر” ومفهوم “السياحة” ( The difference between the concept of travel and the concept of tourism):
السفر هو مفهوم الانتقال بشكل اضطراري بين البلدان بصورة دائمة مثل طلبات اللجوء أو بصورة مؤقتة لكن لها فترة زمنية كبيرة وذلك يحدث إما طلبًا لتحصيل العلم والشهادات أو توفيرًا لفرصة عمل أفضل أو للخروج من البلاد المنكوبة بالأزمات أو لإدارة مختلف الأعمال بين البلدان ، أما عن مفهوم السياحة فهو مفهوم الانتقال بشكل مؤقت لأيام معدودة بغرض المتعة والترويح عن النفس وقضاء المناسك الدينية.
- فوائد السفر (Travel benefits):
- زيادة مصدر دخل الأسرة لمن يسافر من بلده طلبًا لارتقاء مستوى معيشي أفضل له ولأسرته.
- السفر طلبًا للعلم والدراسة ، فكثيرًا ما يكون هناك الكثير من الطلاب النابغين في الدول النامية لا يجدون الفرصة المناسبة التي تظهر إبداعات عقولهم في شتى المجالات.
- التدريب على مواجهة أي تحدي يمكن أن يواجه الإنسان في حياته.
- زيادة الهوايات والاهتمامات الشخصية بالتعرف على العديد من الأنشطة في البلدان المختلفة.
- التدريب على سرعة التنقل من مكان لآخر وسرعة التأقلم على أي مكان جديد.
- تعلم نبذ العنصرية والأفكار المسبقة عن البلاد المختلفة وتعلم التسامح والتعايش مع الآخرين.
- يساهم السفر في إطلاق المواهب المختلفة تحت تأثير الاندماج مع الثقافات الأخرى ، وتحت بند تأثير الابتعاد عن الأهل.
- اكتساب وتبادل المهارات الجديدة عن طريق زيادة المعارف والأصدقاء.
- تعلم لغة جديدة بثقافة جديدة عن اللغة الأم بغرض التواصل والمعرفة مع أهل البلد الجديدة.
- تنمية حب الاستكشاف والبحث عن طريق الاطلاع على ثقافات الشعوب المختلفة ومعرفة أصولها.
- الاطلاع على عادات وتقاليد تخص شعوب أخرى ينمي ذلك المرونة في شخصية الإنسان.
- تعزيز القدرة على اتخاذ القرارات والتعامل مع المشاكل والتحديات.
- تعزيز الاعتماد على النفس والاستقلالية بعيدًا عن تأثيرات العائلة.
أهمية السفر على المستوى الشخصي ( The importance of travel on a personal level):
- تخفيف ضغوطات الحياة اليومية الروتينية وذلك بقضاء فترة نقاهة مميزة تعزز من الشعور بالسعادة والاستجمام والاسترخاء من ما يصيب الحياة من توتر وآلام.
- زيادة الطاقة الإنتاجية والإبداع وزيادة المرونة الفكرية وعمق التفكير لدى الأفراد.
- استجابة الدعوة لأن للمسافر دعوة لا ترد مصداقًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- تحصيل الآداب المختلفة بـ إلتقاء أهل العلم والأدب وتكوين الصداقات وتوطيد العلاقات بين الأهل والأصدقاء.
- تقدير الوطن وتعزيز مكانته في النفس خاصة إن كان البلد المقصود في السفر من البلدان الفقيرة على مستوى العالم.
- الاعتزاز بمكانة الأسرة وتقدير أهميتها في النفس البشرية ،خاصة إن كان المسافر يسافر مغتربًا عن بلده للمرة الأولى وكان بحالة الاضطرار للسفر.
- تقليل حالة الشعور بالإحباط والتوتر وتقليل استخدام الأدوية والعقاقير الطبية وذلك من خلال تجديد الحالة النفسية بالسفر إلى أماكن مليئة بالمناظر الطبيعية الخلابة تساهم في إراحة العين والجسد.
- الاهتمام بالخرائط الجغرافية ودول المنطقة المحيطة بشكل أكبر ، فلا يوجد شخص عربيّ مثلًا لا يهتم بما يحدث في مختلف البلدان العربية خاصة إن كانت هناك من تلك البلدان من زارها من قبل بالسفر أو السياحة.
أهمية السفر على المستوى الاقتصادي للبلدان حول العالم ( The importance of travel at the economic level for countries around the world):
- زيادة الدخل القومي للبلاد عن طريق السياحة الأثرية والدينية.
- إنعاش السوق التجارية بكافة نواحيها على مستوى البلدان المختلفة من خلال التسوق بين محلات الطعام وماركات الملابس والشنط والأحذية.
- إدخال العملات الأجنبية إلي خزينة الدول السياحية.
- إزدهار السياحة الأثرية أو الدينية أو الاستشفائية في بلدٍ ما تجعل ذلك منها فيما بعد محط أنظار المستثمرين من مختلف أنحاء العالم.
- زيادة التصدير و تقليل الاستيراد في الدول الرائدة للسفر والسياحة.
- زيادة عدد الأيدي العاملة خاصة في الدول المتقدمة اقتصاديًا لكنها ذات عدد سكاني قليل بالنسبة إلى مساحتها الجغرافية ، وزيادة عدد الأيدي العاملة تتناسب بشكل طردي مع زيادة الطاقة الإنتاجية في البلاد.
- إنعاش التعاون الاقتصادي والتجاري بين مختلف البلدان.
تطور أهداف السفر عبر الزمن ( Evolution of travel goals over the time) :
- السفر بحثًا عن المرعى والكلأ ، وذلك أول ما بدأ به الناس من السفر لاعتمادهم الكلي على الأمطار في حياتهم ، فإن خلت الأرض من الماء والمطر يتسبب ذلك في جفاف الزرع وموت الحيوانات ، وبالتالي يتم السفر من مكان لآخر بحثًا عن المرعى والكلأ بغرض المأكل والمشرب.
- السفر طلبًا للعلم ومجاورة العلماء ، وذلك ما ثنّى به الناس السفر ، فكم من العلماء وطلاب العلم سافروا عبر مختلف بقاع الأرض لينهلوا العلوم من منابعها حتى و إن نأت المسافات بينهم و بين من يريدون تحصيل العلم عنده كانوا يستمرون بالسفر لغرض العلم والدراسة بشتى وسائل السفر الشاقة و المُيسَرة على مختلف عصور الزمن فليس لهم إلا غاية واحدة تقف أمامهم ويريدون الوصول إليها فقط وهي تحصيل العلم مهما كانت المشقات قائمة.
- السفر بحثًا عن فرص العمل ، وذلك يعتبر من أهداف وأغراض السفر الحديثة نسبيًا عن الأهداف السابقة ، فكم من أزمات خلفتها الحروب العالمية في كثير من الدول منها تقليل الأيدي العاملة رغم الزيادة السكانية الهائلة في أغلب الدول النامية وكذلك هدم البنية التحتية فساهم ذلك في خفض رواتب الكثير من العاملين مما دفع من يستطيع من أرباب الأسر بالسفر خارجًا بحثًا عن ارتقاء معيشي أفضل لهم ولأسرهم.
- السفر لأجل إدراة الأعمال ، فهناك الكثير من رجال الأعمال الذين يمتلكون شركات وماركات عالمية بين مختلف بلدان العالم ، فهم يسافرون لأجل إنشاء وتدشين فروع شركاتهم وتشغيل الأيدي العاملة في البلاد المراد الاستثمار فيها ثم يتم دخول نسبة كبيرة لا بأس بها من أرباح تلك الفروع في مختلف البلاد إلى مقر الشركة الرئيسي.
- السياحة في العطلات الرسمية ، وهي تخص أغلب طبقات الشعب سواءًا كانت سياحة محلية أو عالمية ، فبعد قضاء عام من الدراسة والعمل تذهب أغلب الأسر ايامًا معدودة لقضاء العطلة السنوية في محافظة أو بلد ما وذلك للابتعاد والتنفس قليلًا عن روتين الحياة اليومية وضغوط العمل وتجديد الطاقة والنشاط في النفس البشرية.
- السفر من أجل السفر فقط ، يعتبر هذا الهدف أو الغرض من الأنواع التي انتشرت حديثًا على مستوى العالم ، ومن يقوم به هم فئة أخيرة قليلة كرست حياتها للسفر فقط ، وكأنهم لا يعيشون إلا بالسفر بين مختلف البلاد ، وبما أن حياتهم حياة ترحال فأغلب الأعمال التي يقومون بها هي أعمال جزئية قليلة في كافة البلاد تساعدهم في شتى رحلاتهم فيما بعد.
- هوس السفر (Travel obsession):
متلازمة (Wanderlust) أو هوس السفر يتم التعبير عنها بأنها حاجة نفسية تتولد في بعض الناس لكنها ليست شائعة و أبرز الخصائص التي تدفع الناس لهذا النوع من الهوس هو الفضول و حب الاستطلاع و استكشاف زوايا جديدة من العالم وتجربة الثقافات الأخرى ، لدى هؤلاء الناس دافع شديد ووسواس للتجول من مكان لآخر، ومن الصفات الشخصية لتلك الفئة أنهم دائمًا ما يكون لديهم هوس بالخرائط الجغرافية ، وليس في قلوبهم خشية ولا رهبة من الأشياء غير المتعارف عليها بسهولة ، ولا يعانون من تبريرات منطقية ومشاكل مادية حول ميزانية السفر وليست لديهم أية هواجس عن الأمراض أو الخوف منها ولا يهتمون كذلك بطول واضطرابات الرحلات الجوية ، ويستطيعون معرفة وتقدير الأغراض الحيوية اللازمة لكل رحلة ، ولديهم سهولة نسبية في التعامل مع الغرباء وتكوين الصداقات الجديدة ، وهؤلاء الأشخاص هم النموذج المثالي للإنسان الفضولي ، وترتفع معنوياتهم النفسية إلى أعلى حد قد يصلوا إليه عند حجزهم لرحلة السفر ، ومهما سافر هؤلاء الأشخاص لا يشعرون بأنهم قد بلغوا الحد الذي يكفيهم من الأسفار وهناك مقولة للرحالة “فان غوته” تصف ذلك قائلًا : (لا يسافر المرء لكي يصل بل لكيّ يسافر)، وهؤلاء الفئة من الأشخاص موجودون حولنا منهم المهووسين بالسفر البري أو البحري أو الجوي ، و لنتعرف على شيئًا من شخصية الرّحّالة سنذكر هنا نبذة عن بعضًا منهم :
- جيمس أسكويث :
هو أصغر رحالة في العالم دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية وذلك لزيارته 196 دولة حول العالم قبل بلوغه عامه الـ 24 في خلال خمس سنوات فقط ، وقد تشكلت فكرة السفر في وجدانه منذ أن بدأ يسافر مع والده الطيار ، وقد بدأ في حياته بأعمال صغيرة جزئية لجمع المال بنفسه من أجل السفر فقام بغسل السيارات والاستعاضة عن هدايا الأعياد بالأموال ثم بدأ أولى رحلاته في عُمْرْ 18 وهو طالب في الجامعة ، وما إن فتح حسابه على الانستجرام حصل على أكثر من 84 ألف متابع في وقت قياسي ، ولا يزال اسكويث لا ينوي التوقف عند هذا الحد بل إنه يسعى للاستمرار في هوايته المفضلة والتخطيط إلى مغامرات جديدة حول دول العالم.
- حجاجوفيتش :
هو رحالة مصري وخبير سياحي عالمي اشتهر بلقب “ابن بطوطة” القرن 21 ، سافر إلى أكثر من 136 دولة حول العالم ووثق سفرياته بالصورة والفيديو ، وهو يتحدث خمس لغات العربية والإنجليزية والبرتغالية والأسبانية والفرنسية ، وقد قام بإعطاء محاضرات كثيرة للأطفال في المدارس وشباب الجامعات مروجًا لرسالة السلام ، كما أنه ظهر في أكثر من 1500 مؤسسة إعلامية مسموعة ومقروءة ومرئية بجميع الدول التي زارها ، وقد ذكر حجاجوفيتش من قبل أن هدفه من رحلاته هو نشر رسالة السلام في جميع دول العالم.
وسائل السفر (Means of travel):
- السفر الجوي : لعل السفر الجوي هو أسرع وسائل السفر على الإطلاق وأكثرها تكلفة ولكن تختلف تكلفتها وقيمتها بين درجات الطيران السياحي والدرجة الأولى وكذلك بين الطيران المدني والطيران الدولي ، والجدير بالذكر أن شركات الطيران تعد من مصادر الدخل القومية للبلاد ، فلك أن تعلم أن توقعات صافي أرباح شركات الطيران حول العالم في 2020 قد تصل إلى 29.3 مليار دولار مقارنة بالعام الماضي عام 2019 كانت توقعات الأرباح قد وصلت إلى 25.9 مليار دولار وذلك حسب الاحصائية المقدمة من بيان اتحاد النقل الدولي الجوي.
- السفر البحري : يرتبط بالسفر البري بطريقة ما ، ولكن يرتاده الكثيرون باضطرار ويرتاده القليل من المحبين وذلك خوفًا من أمراض البحر والكائنات البحرية أو للجهل بالسباحة والغوص.
- السفر البري : يضطر إليه البعض لكن الكثيرين من مُريديه يكونون من محبي السفر حول الطبيعة البرية والمناظر الخضراء الخلابة بواسطة الوسائل البرية كالقطارات مثلًا.