امتلأت وسائل الإعلام و مواقع التواصل الإجتماعي مؤخراً بالحديث عن النسوية ، و لكن العجيب أن معظم من يتحدثون عن النسوية و يدافعون عنها بكل ما لديهم من قوة لم يقرأوا عنها جيداً و لا يعرفون المعنى الحرفي و الضمني لها فهم يتحدثون و يدافعون عنها كما لو ان المرأة لن تستطيع أن تعيش إلا إذا حققت مطالب النسوية فهل حقاً تحاول النسوية استرداد حقوق المرأة المسلوبة منها ؟! و هل قام أحد بسلب حقوق المرأة من الأساس ؟! وما هى علاقة النسوية باستقلال المرأة ؟!
لا شك أن حصول المرأة على حقوقها كاملة في المجتمع هو مطلب سامي و تحقيقه واجب على كل أفراد المجتمع و ليس على الرجال فقط ، و لكن اختزال حقوق المرأة في مطالب النسوية فقط شئ خاطئ تماماً و اختزال المدافعين عن حقوق المرأة في النسويات خطأ أكبر فهناك الكثير من السيدات حول العالم ممن لا ينتمون للحركات النسوية و لكنهم يدافعون عن حقوق المرأة من غير إفراط أو تفريط.
معظم النسويات إن لم يكن جميعهم يدَّعون أنهم خط دفاع المرأة الوحيد في المجتمع و يظنون جهلاً أنهم الوحيدين في العالم الذين يسعون حقاً لإعطاء المرأة حقوقها و لكني أشك كثيراً في هذا و إن كنت عزيزي القارئ أو بالأحرى عزيزتي القارئة تظنين أني سأكتب عن محاسن النسوية كما تفعل الكثيرات فأنتم مخطئين فأنا هنا للعكس تماماً .. نعم فـ أنا هنا لتعريف النسوية بشكلها الصحيح كما عَّرفها لنا روَّادها في الكتب سابقاً و لكي أذكر مطالبها الحقيقية التي دعى إليها حماة النسوية في أنحاء العالم..
- رائدات النسوية في العصر الحديث (Feminism Pioneers in the Modern Era):
” أقرُّ أنا الموقع على هذا… محمد علي شعراوي، نجل المرحوم علي باشا شعراوي، من ذوي الأملاك، ويقيم بمنزل في شارع قصر النيل رقم 2 قسم عابدين بمصر، أنني تزوجت الست فاطمة كريمة المرحوم سيد بيك المرواني، المشهورة باسم (فاطمة سري)، من تاريخ أول سبتمبر سنة 1924، ألف وتسعمائة وأربعة وعشرين أفرنكية، وعاشرتُها معاشرة الأزواج، وما زلتُ معاشراً لها إلى الآن، وقد حملت مني مستكناً في بطنها الآن، فإذا انفصل، فهذا ابني، وهذا إقرار مني بذلك… وأنا متصف بكافة الأوصاف المعتبرة بصحة الإقرار شرعاً وقانوناً، وهذا الإقرار حجة عليَّ تطبيقاً للمادة 135 من لائحة المحاكم الشرعية، وإن كان عقد زواجي بها لم يعتبر، إلا أنه صحيح شرعي مستوف لجميع شرائط عقد الزواج المعتبرة شرعاً “
محمد علي شعراوي
القاهرة في 15 يونيو 1925
كتبَ هذا الإقرار محمد علي شعراوي ابن هدى شعراوي و الملقبة بـ “محررة المرأة”.. نعم محررة المرأة التي قامت بإنجاز كبير جدا في وجهة نظر الكثيرين و هو أنها أول امرأة تخلع غطاء الوجه أمام الحشود علناً في ميدان التحرير و وطأته بقدميها في القاهرة سنة 1921.
هدى شعراوي إحدى رائدات النسوية في العصر الحديث و التي نادت و ناشدت بتحرير المرأة و مساواتها بالرجال و التي يعتبرها الكثيرين حامي حمى المرأة و خط دفاع لا يقهر في مواجهة الذكوريين في المجتمع الذين لا يقدرون المرأة و لا يعطونها أبسط حقوقها في الملبس أو في اتخاذ القرارات المعنية بحياتها بشكل عام و هي قدوة لكثير من النسويات في عصرنا الحالي و لكني لست بصدد الحديث عن انجازاتها في النسوية فقد فعل هذا الكثيرين و إنما أنا بصدد الحديث عن إنجاز واحد حقيقي لها كشفَ به الله عن وجهها الحقيقي و عن أفكارها المريضة ، هذا الإنجاز هو في الحقيقة بخصوص الإقرار المكتوب سابقاً على لسان ابنها حيث زارتها في يوم من الأيام زوجة ابنها الغير شرعية و لجأت إليها كونها نصيرة المرأة الوحيدة وشكت إليها أن ابنها يتبرأ من الطفل الذي تحمله في بطنها و من زواجه منها و منها كلياً و لا يريد أن يعترف بنسب الطفل فما كان من نصيرة المرأة إلا أنها طردت زوجة ابنها من المنزل و حاولت بكل ما لديها من طاقة أن تحبط كل مساعي الزوجة في الحصول على حقوقها حتى أنه يُقال أنها قدمت رشوة للقاضي الذي لجأت إليه الفتاة و لكن و بعد أن انتشر الحديث عن هدى شعراوي بين العامة أنها ظلمت فتاة بسبب وضعها الإجتماعي حيث كانت هدى شعراوي من سيدات المجتمع و يعرفها الجميع ، شاء الله أن تنتصر الفتاة و تم نسب الطفل بالفعل إلى ابن هدى شعراوي و يُجبر على أن يكتب الإقرار بعد ذلك ليخلد التاريخ تناقضاتها و يكشف عن وجهها القبيح للجميع!
ومن ضمن أشهر رائدات النسوية على الإطلاق هي نوال السعداوي و قد تكون الأشهر في الوقت الحالي و تعتبر قدوة لمعظم إن لم يكن كل نسويات هذا العصر و من أشهر اعتقادات و مبادئ نوال السعداوي ما يلي:
- إن الدين صناعة إنسانية، ومنتج تاريخي، وهي رؤية علم الاجتماع الغربي بـ مدارسه الكلاسيكية واليسارية على حد سواء، لذا نجدها تتحدث عن أن الأديان نشأت في عصور قديمة يحكمها النظام العبودي، وهي تتبنى التقسيم الماركسي للتاريخ لمراحل تصاعدية، والدين ينتمي للماضي وليس للحاضر أو المستقبل وهو بالضرورة أداة قهر.
- إن أي محاولة للحديث عن الدين بشكل إيجابي، يجب أن تحول الدين إلى منحى (ذاتي/إنساني/جواني)، فجدتها كان تقول: “إن الله عرفوه بالعقل” (فلا حاجة للوحي البتة إذن)، ووالدها يقول: أنا أعرف الله في أعماقي وهو العدل، الله يخرج من أعماقنا وليس من المطبعة، أو من فوق المآذن والجوامع، وهذه أقوال تستشهد بها الكاتبة أن هذه أول خطوة لفصل الدين عن الحياة، وأن هذا هو عين سبب فقدان الدين لـ آفاقه التحررية كمصدر للعدل الاجتماعي وليس العكس.
- إن الدين يجب أن يخضع للهوى، فـ يتغير بتغير الظروف، لا بالتجديد والاجتهاد وضبط التوازن بين المطلق (الوحي) والنسبي(الواقع) بل بإخضاع المطلق للنسبي، الوحي للمادة، وإلا كان الدين ظلاميًا رجعيًا وأداة للظلم والقهر، فهي تقول: “الأخلاق والأديان والقيم كلها تتغير مع تغير القوى المسيطرة سياسيًا على وسائل التعليم والإعلام والتفسير للكتب الدينية، والدين جزء من المجتمع، وهو نتاج من نتاجات المجتمع البشري فكرًا وممارسة”، وكأنه لا ثوابت ولا قيم ثابتة بل أديان صناعة محلية وحسب!!.
- إن الدين هو خادم السياسة يتم فقط توظيفه وهو حليف الرأسمالية البغيضة المستغلة وأداة لاستغلالها، والاقتصاد هو الذي يحدد مسار التاريخ وليس الدين، أو حتى الثقافة وببساطة يلتقي الشرق والغرب، والإسلام والمسيحية واليهودية في إصدار القوانين والقيم الأخلاقية والسياسية التي تجعل مفهوم الحرية أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان قاصرة على الرجل وعلاقتهم بالدولة والحكم.
- إن رجال الدين خضعوا للسلطة السياسية والاقتصادية على مرّ العصور، وإن عليهم أن يعتذروا عن الجرائم التي اقترفوها في حق الناس والنساء كما اعتذرت الكنيسة الكاثوليكية.
- إن هناك تحالفًا بين الأديان الآن ضد المرأة في المؤتمرات الدولية، والدين حليف الرجعية، ويجب فصله عن حياة النساء ليتحقق التقدم.
- لا ترى نوال السعداوي مشكلة في المثلية الجنسية و تعتبرها قرار شخصي يعبر عن حاجات الناس المختلفة.
- ترى نوال السعداوي أن الحجاب والنقاب من صور العبودية وضد الأخلاق والأمن، وأن الحجاب لا يعبر عن الأخلاق و إستنكرت لماذا تتحجب المرأة ولا يتحجب الرجل ؟ بالرغم من وجود شهوة لكل منهما ؟
و بعد طرح القليل من أفكار نوال السعداوي لدي فقط سؤال واحد و هو “كيف يمكن للنسوية أن تكون فكراً سوياً بإيمانها بأفكار كهذه ؟!”
- مطالب النسوية (Feminism demands):
تهدف النسوية بشكل عام إلى المساواة بين الجنسين الرجل و المرأة في كل شئ في الحياة و معظم النسويات لا يراعين في هذا الإختلافات التي ميز الله بها كل جنس عن الآخر فهم لا يعترفون بإختلاف الميراث و يسعون إلى إحداث تغيير في القانون بهدف المساواة بين الذكر و الأنثى في الميراث كما حصل مؤخراً في تونس.
أيضا تطالب النسوية بإلغاء ما يسمونه بـ الوصايا الذكورية على المرأة لتستطيع السفر لوحدها متى شاءت و أي كان عمرها تماماً كما يفعل الذكور خاصة في البلاد العربية و تسعى النسوية كذلك لـ رفض وصاية الرجل على المرأة في الملبس أي كان درجة قرابة الرجل من المرأة و سواء كان أب أو أخ او زوج و بغض النظر عن أي دافع ديني وراء التحكمات في الملبس فـ النسوية تسعى لإعطاء المرأة الحرية كاملة في اختيار ملابسها و علاقاتها بالنساء و الرجال بغض النظر عن أي اعتبارات أو ضوابط دينية أو مجتمعية.
- فصل حقوق المرأة عن النسوية (The difference between women rights and feminism):
كثير من النسويات يتهمن من لا يؤمن بالنسوية بأنه من أعداء المرأة و كأنهم المسؤولين الوحيدين في هذا العالم عن المرأة و حقوقها و لكن الحقيقة غير هذا تماما فكثير جدا من الناس بما فيهم الكثير من الرجال يؤمنون بحقوق المرأة و يسعون لتحقيقها امتثالاً لأمر الله و اقتداءاً برسوله صلى الله عليه وسلم و لكنهم لا يؤمنون بالنسوية لحيادها الشديد عن الدين و بسبب تناقضاتها الهائلة فـ على سبيل المثال: تناشد الحركات النسوية باستقلال المرأة لتحصل على أموالها الخاصة و لا تكون مسؤولة من أي رجل في حياتها حتى لو كان الزوج و مع هذا فالعجيب أن النسويات في سبيل هذا قد يتقبلون أي شئ من المدير في العمل كأن يسألهم بحدة عن سبب تأخيرهم أو عن سبب تقاعسهم في العمل و لكنهم لا يرضون أن يسألهم أزواجهم عن سبب تأخرهم في العودة إلى المنزل أو عن أي شئ في الحياة .. فهل حقاً تذلل المرأة للأغراب هو من كمال كرامتها ؟!
يكمن الخلاف الكبير بين حقوق المرأة و النسوية في أن حقوق المرأة لا تهون من مسؤوليات المرأة في المنزل و لا تعتبر أن المرأة الغير العاملة امرأة ضعيفة أو مكسورة و المؤسف أن يدرك الغرب هذا قبل العرب ففي امريكا يُطلق على المرأة التي تهتم فقط بشؤون منزلها “domestic engineer” أي مهندسة داخلية و يُطلقون عليها هكذا لعلمهم أن الأعمال المنزلية و تربية النشأ الجديد ليس بالأمر السهل أو الهين و إنما هو أمر عظيم تحرص دائماً النسويات على تحقيره و تهميشه و تجد أن معظمهم يجادلون ليل نهار عن حقوق النساء و إعطاء المرأة حقها و و و وفي المقابل لا يستطيعون القيام بخدمة أنفسهم في المنازل و يقومون بتعيين فتيات في خدمتهم وهذا دليل آخر على تناقضاتهم الغير مبررة.
- دور الإعلام في تزييف وعي العامة بالنسوية (The role of the media in falsifying the public’s awareness of feminism):
يربط الكثير من المؤثرين في مواقع التواصل الإجتماعي و الإعلاميين في التلفاز النسوية بحقوق النساء كما ذكرنا سابقاً و كونهم يمتازون بقاعدة جماهيرية كبيرة جداً فإن من السهل جداً عليهم التأثير في المجتمع بجميع فئاته بشكل كبير وبالتالي فإن المسؤولية تكون كبيرة جدا على عاتقهم في تحري دقة معلوماتهم و طرق طرحها على العامة لأنه حقاً من المدهش أن تعلم أن معظم من يتأثرون بهذه الأفكار الخاطئة هم من المراهقين و صغار السن و منهم كثير من لا يستطيع حل واجباته المدرسية و لكن لديه منصة على وسائل التواصل الإجتماعي التي يطرح فيها أفكاره حول المرأة لتشعر أنه فيلسوف و مفكر و كاتب حر يؤخذ منه و يرد!
- هل للحرية علاقة بالأفكار النسوية (Does liberation related to feminism):
تستخدم النسوية نغمة الحرية كثيراً في التعبير عن آرائها لجذب المزيد من المتضامنين من جميع الفئات العمرية فهل حقاً للحرية علاقة بالنسوية ؟!
حسناً الإجابة على هذا السؤال تضمن الكثير من الخيوط المتشابكة إن صح التعبير و الإجابة القصيرة على هذا السؤال هو أن النسوية توهم من يعتنقها بالحرية و لكنها لا تمنحه الحرية الحقيقية!
النسوية فكر قائم على التخلص من كل صوت أعلى من صوت المرأة و هو قائم على إعطاء المرأة الكثير من المكاسب التي يدَّعون أنها كانت للمرأة و سُلبَت منها بسلطة الرجال مع الوقت و لكن الحقيقة أن هذه المكاسب التي يريدون إعطاءها للمرأة لم تكن يوماً لها و لا من حقها و بالتالي فلم يسلبها أحد منها.. ومن هذه المكاسب هى سفر المرأة بدون وصاية مثلاً و لكن في الحقيقة أن الرجال لم يفرضوا علينا الوصايا لمنعنا من السفر دون إذن منهم و لكن الله هو من حرم سفر المرأة بدون محرم و لم يسمي هذا سبحانه وصاية و له سبحانه في هذا حكمة رضي بها من رضي و اختلف معها من اختلف و لكن يبقى الله هو من فرضها و ليس المجتمع الذكوري على حد تعبير النسويات..
بالطبع السفر بدون إذن من أي شخص كائنَ من كان يعد نوع من أنواع الحرية و بالطبع خلع الحجاب يضفي المزيد من الحرية و بالطبع حرية الجسد و ممارسة العلاقات الجنسية بدون زواج هو أحد عناصر الحرية تماماً مثل أي شئ في هذه الدنيا و لكننا نتجنب فعل هذه الأشياء امتثالاً لأمر الله و ليس قهراً علينا من الرجال فمن شاءت أن تقيم حرباً على الرجال باسم النسوية فهي مغفلة لأنها تطلب حقها من من لا يملكه و عليها بالأحرى أن تحارب الله إذا استطاعت!