صيام النوافِلْ
صيام النوافِلْ (Nawafil fasting):
هو الصيام المشروع والمندوب إلى المُسلِم فِعله ولكنّهُ من غير الواجِبْ عليهِ ، وهو من أحبّ الأعمال إلى اللهِ تعالى وأرفعها ، ودليلُ ذلك ما رواهُ الإمام أحمد في مُسندِه عن أبي هُريرة رضيَّ الله عنه ؛ أنّ رسول الله صلى الله عليهِ وسلّم قد أخبر عن رب العزَّة جلّ وعلا في الحديث القُدسي : (كُل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزِّي بِه إنمَّا يترك طعامُه وشرابُه مِنْ أجلِي فصيامه له وأنا أجزي به ، كل حسنة بعشرِ أمثالِها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فهو لي وأنا أجزِّي بِهْ).
فضل صِيام النوافِلْ (The virtue of Nawafil fasting):
- الصوم هو عمل مُضافٌ إلى اللهِ تعالى ؛ وذلك لأنه عمل يسهُل فيهِ الإخلاص ويصعُب فيهِ الرِيّاء ؛ فَـ الصوم من الأعمال التي لا تظهر أمام الناس فهو أحد الأعمال التي تُقام بِـ عقد النيّة في القلب ، ودليلُ ذلك ما رواهُ البخاري في صحيحِه عن أبي هُريرة رضي اللهُ عنه في الحديث القُدسي الذي أخبر به النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلّم عن رب العزة قائِلًا : (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنهُ لِي وأنا أجزِي بِه).
- الصوم عِبادة لا مِثل لها في الفضل ، ودليلُ ذلك ما رواهُ الألباني في سُنن النِسائي عن أبي أُمامة الباهلِيّ رضي اللهُ عنه في وصية النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلم لأحد أصحابِه قائلًا : (عليك بالصوم فإنهُ لا عدل له).
- يأتِي الصيامُ شفيعًا لأصحابِه يوم القيامة ، ودليلُ ذلك ما رواهُ التِرمِذيّ في سُنَنِه ؛ أن النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلّم قال : (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ؛ يقول الصِيام : أيّ ربِ إني منعتُه الطعام والشهوات بالنهار فَشَّفِّعْنِي فِيهْ).
- الصوم سبب في رفع درجات المؤمن يوم القيامة ؛ إذْ يُجزي الله تعالى الصائم يوم القِيامة جزءًا كثيرًا ؛ فقد خصصًّ اللهُ تعالى بابًا في الجنة يدخلُ منه أهل الصيام يوم القيامةِ فقط دونًا عن غيرِهم من أهل الجنة ، ودليلُ ذلك ما رواهُ البُخارِي في صحيحِه عن سهل بن سعد الأنصاريّ رضي اللهُ عنه ، أن رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسلّم قال : (إن في الجنة بابًا يُقالُ له : الرَّيان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخُلْ منه أحدًا غيرُهم ، يُقال : أين الصائمون ؟ فيقومون ، لا يدخُل منه أحدٌ غيرُهم ، فإذا دخلوا أُغلِقْ فلم يدخُلْ مِنهُ أحد).
- الصوم سياحة ؛ وذلك إذا اعتاد الشخص على الصيام وداوم عليه ، وهي صفة أثنى اللهُ تعالى عليها في القرآن فوصف الصائمين بالسائحين ؛ وذلك في قولِه تعالى : (التائبون العابدون الحامدون السائحون الرَّاكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المُنكر والحافِظون لحدود الله وبشِّرْ المؤمنين) (الآية 112 : سورة التوبة) ، وقد جاء في تفسير لفظ “السائحين” عن أم المؤمنين عائشة رضيّ اللهُ عنها ، وابن عباس رضيّ اللهُ عنهما أنّ المقصود بها هُنا : “الصائمين”.
- الصوم من الصبر ؛ فَـ الصيام أحد العِبادات التي يجتمِع فيها نوعان من الصبر ؛ وهما : الصبر على طاعة الله تعالى ، والصبر على ترك المعاصِي ، ودليلُ ذلك ما رواهُ التِرمِذيّ في سُنَنِه ؛ أنّ النبيّ صلى الله عليهِ وسلّم قال : (والصوم نصفُ الصبر).
أنواع صِيام النوافِلْ (Types of nawafil fasting):
تختلف أنواع صِيام النوافِل من عِدة مقاييس مُختلفة ، فهي تنقسم من حيثُ الوقت ، ومِنْ حيثُ التكرار ، ومن حيثُ ما كان من هديّ النبي صلى اللهُ عليهِ وسلّم وفعلُه أو أكثر مِنه ؛ وما كان من هديّ النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلّم ولم يفعلُه ، وفيما يلى أنواع صيام النافلة من حيث الوقت و التكرار وهديّ النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلّم :
أنواع صيام النافِلة من حيث الوقت (Types of nawafil fasting in terms of time):
- صيام النوافل المُقيَّد : وهو الصيام الذي قد تمَّ تقييِدِه بِـ زمنٍ أوعددٍ مُعيّن وفقًا لما وُرِدَ في سنة النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلم ، ومن أنواع صِيام النافِلة المُقيّد نذكُرْ :
- صيام الأيام البيض ، وهم الثلاثة أيام في أواسِطْ كل شهر عربي.
- صيام يوم عاشوراء في شهر اللهِ المُحرَّم.
- صيام يوم عرفة لِـ غير الشخص الحاج.
- صيام ستة أيام من شهرِ شوال بعد انقضاء رمضان.
- صيام يوميّ الإثنين والخميس من كل أسبوع.
- الإكثار من الصِيام في شهرِ شعبان.
- الإكثار من الصيام في شهرِ مُحرم.
ويُعتبر صيام النوافِلْ المُقيّد أفضل أجرًا من صِيام النوافِلْ المُطلق غير المُقيّد بِـ زمنٍ أو عددٍ مُعيّن.
- صيام النوافِل المُطلَقْ : وهو الصوم غير المُقيّد على الإطلاق لا بِـ زمنٍ ولا عدد ، وقد ذُكِرَ في هذا الصوم المُطلق ما رواهُ البخاري في صحيحِه عن أنس بن مالك رضيّ اللهُ عنه ؛ إذْ قال : (كان رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسلم يُفْطِر من الشهر حتى نظن أن لا يَصومَ منه ، ويَصوم حتى نظنّ أن لا يُفطِرَ منه شيئًا).
أنواع صيام النافلة من حيث التِكرار (Types of nawafil fasting in terms of frequency):
- الصوم الذي يتكرر بِـ تكرُّر الأيام : وهو مِثل : صيام يوم وإفطار يوم.
- الصوم الذي يتكرر كُل أسبوع : وهو مِثل : صِيام يوميّ الإثنين والخميس من كُل أسبوع.
- الصوم الذي يتكرر كل شهر : وهو مِثل : صيام 3 أيام من أواسِط كُل شهر.
- الصوم الذي يتكرر كل سنة : وهو مِثل :
- صيام يوم عاشوراء.
- صيام يوم عرفة.
- صِيام 6 أيام مِنْ شوّال.
- الإكثار من الصِيام في شهر مُحرّم.
- الإكثار مِن الصِيام في شهرِ شعبان.
أنواع صيام النافلة من حيثُ هديّ النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلّم (Types of Nawafil fasting according to the guidance of the Prophet Mohammed, peace be upon him):
الصوم الذي واظب النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلّم على فِعلِهْ ورَغَّبَّ فِيه ، ومِنْ ذلك الصِيام ؛ نذكُرْ :
صيام يوم عاشوراء مع يوم آخر قبله أو بعده.
صيام 3 أيام مِنْ أواسِطْ كُل شهر.
الصوم الذي كان يُكثِرْ النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلّم من فِعلِه ويُرَّغِّب فيه ، ومِنْ ذلك الصيام ؛ نذكُرْ : الإكثار من الصِيامْ في شهر شعبان.
- الصوم الذي كان يدعو النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم إلى فعله ويُرغِّب فيه ؛ إلا أنَّه لم تروِ لنا السنة النبوية أن الرسول صلى اللهُ عليهِ وسلّم قد قام بِهذا الصِيام ، ومِنْ أنواعْ ذلك الصيام ؛ نذكُر :
- صيام داود عليه السلام (صوم يوم وإفطار يوم).
- الصيام في شهر اللهِ المُحرّم.
- صِيام السِت من شواّلْ.
من أبرز الأمثلة على صِيام النافِلَة (Examples of nawafil fasting):
- صيام ستة أيام من شهر شوَّال : ومثل صِيام تِلك الأيام الست بعد صيام الفريضة الرمضانية كمثل صلاة السنن الراتبة بعد أداء فريضة الصلاة ؛ وقد وُرِدَ في فضل صِيام الست من شوال ما رواهُ مُسلِم في صحيحِه عن أبي أيوب الأنصاري رضيّ اللهُ عنه : أن رسول الله صلى الله عليهِ وسلّم ، قال : (من صامَ رمضان ، ثمَّ أتبعهُ سِتًا من شوَّال ؛ كان كَصيامِ الدهر).
- صيام يوم عرفة : حيثُ قد شُرِّع في الدين للشخص غير الحاج صيام يوم عرفة ، وقد وُرِدَ في فضل صيام يوم عرفة ما رواهُ مُسلم في صحيحِه عن أبي قتادة الأنصاري رضيّ اللهُ عنه ؛ أنّ رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسلّم ، قال : (صيام يوم عرفة ، أحتسب على الله أن يُكَّفِّر السنة التي قبلِه ، والسنة التي بعده ، وصِيام يوم عاشوراء ، أحتسِب على الله أن يُكَّفِّرْ السنة التي قبله).
- صيام عاشوراء : وهو اليوم الذي نجَّى اللهُ فيهِ موسى من بطشِ فرعون ؛ ويُوافِقْ هذا اليوم العاشر من شهر اللهِ المحرّم ، وقد سنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صيام اليوم التاسع من مُحرّم مع صيام عاشوراء مُخالفةً لأهل الكتاب الذين يصومون يوم عاشوراء أيضًا ؛ ودليل ذلك ما رواهُ مُسلِمْ في صحيحِه عن عبد الله بن عباس رضيّ اللهُ عنهما ، أنَّ رسول الله صلى الله عليهِ وسلّم ؛ قال : (لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع) ؛ ولكن رسول الله صلى الله عليهِ وسلّم قد توفِيّ في عامِه هذا ولم يبلُغ شهر مُحرّم من العام القابِلْ.
- صيام الأيام البيض الثلاثة من كُلْ شهر : أو صيام أيّ 3 أيام مُتفرقة من الشهر ولكن الأفضل هو صيام الأيام البيض التي تُوافِق أيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر القمري ، ودليلُ ذلك ما رواهُ البخاريّ في صحيحِه عن عبد الله بن عمرو رضيّ اللهُ عنهما ؛ أنّهُ حينما وصل للنبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلّم خبرًا أنه يُريد أن يصوم النهار ويقوم الليل طوال حياتِه بِلا إنقطاع ؛ فأجابهُ النبي صلى اللهُ عليهِ وسلّم بقولِه : (فإنكّ لا تستطيع ذلك ، فصُمّ وأفطِرْ ، وقُم ونمّ ، وصُمّ من الشهرِ ثلاثة أيام).
- صيام يوميّ الإثنين والخميس من كل أسبوع : وذلك لأنّ هذيّن اليوميّن تُعرَّ ضْ فِيهما أعمال العباد على اللِه تعالى ، ودليلُ ذلك ما رواهُ النسائِي في سُننِه ، والإمام أحمد في مُسندِه عن أسامة بن زيد رضيّ اللهُ عنهما ؛ إذْ قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الأيام حتى يسرد حتى يُقال : لا يفطر ، ويفطر الأيام حتى لا يكاد أن يصوم إلا يومين من الجمعة ، إن كانا في صِيامِه وإلا صامهما ، ولم يكن يصوم من شهر من الشهور ما يصوم من شعبان ، فقلت : يا رسول الله ؛ إنك تصوم لا تكاد أن تفطر ، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صِيامك وإلا صمتهما. قال : أيّ يومين ؟ قال : قلت : يوم الإثنين ويوم الخميس ، قال : “ذلك يومان تُعرّض فيهما الأعمال على رَّب العالمين ، وأحب أن يُعرَّض عملي وأنا صائِمْ” ، قال : قلت : ولم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال : “ذلك شهر يغفل الناس عنهُ بين رجب ورمضان ، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رَّب العالمين ، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائِمْ”).
- صِيام يوم الإثنين من كُل أسبوع : تُعرّض الأعمال على الله تعالى في يوم الإثنين والخميس ، ولكن قد اختُص يوم الإثنين بالفضل الأكبر في الصيام عن يوم الخميس ؛ وذلك لأنهُ يومٌ قد وُلِدَ فيهِ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وفيهِ كان أول ما أُنزِلَ من القرآن الكريم ، ودليلُ ذلك ما رواهُ مُسلِمْ في صحيحِه عن أبي قتادة الأنصاري رضيّ اللهُ عنه ؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم سُئِلَ عن صيام يوم الإثنين ، فقال : (فيهِ وُلِدتُ ، وفيهِ أُنزِلَ عليّ).
أفضل أنواع صيام النافلة حسب فقه المذاهِبْ الأربعة:
- الحنفيّة والحنابِلّة : اتفق كلا المذهبيّن الحنفي والحنبلي على أن أفضل صيام في النوافِل هو صيام داود عليه السلام وهو صوم يوم وإفطار يوم ؛ وذلك وِفقًا لما رواهُ البُخاري عن عبدالله بن عمرو رضيّ اللهُ عنهما ، أن النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلّم قال : (أحبُّ الصيامِ إلى الله صيام داود ؛ كان يصوم يومًا ويُفطِر يومًا).
- المالكِيّة : ذهب المذهب المالكِي إلى أن أفضل صيام النافلة حسب الأفضلية في تكفير الذنوب : هو صيام يوم عاشوراء مع صيام تاسوعاء قبله ، ثم الصوم في رجب ، ثمَّ الصوم في شعبان ، ثم صيام يوم عرفة لِغيرْ الشخص الحاجّ ، ثم صيام يوم الترويّة.
الشافِعية : ذهب المذهب الشافعي إلى أن أفضل صيام النافلة الفردي : هو صيام مُحرَّم ، ثمَّ الصوّم في شعبان ، أمّا من حيث التكرار فقد ذهب المذهب الشافعي إلى أنّ أفضل الصِيام هو صيام داود عليهِ السلام (صوم يوم وإفطار يوم).
من الأحكام الشرعية التي قد اختُصّ بها صِيام النافلة (The Fiqh of the Nawafil Fasting):
تتفق أحكام صيام النوافِل مع أحكام صيام الفريضة في شهر رمضان في كُل الحوانِبْ الفقهية ؛ إلاّ في عِدَّة نواحي قد اختصَّ بها صيام النوافِلْ عن صيام الفريضة ، وهي كَـ التالي :
- لا يشترِط تبيِّيِّت النيّة ليلًا في صِيام النافلة ، ولكنْ يُفَضَّل التذكير بأن أجر الصيام مع تبييت النية في الليل أعظمُ أجرًا من عقد نيّة الصِيّام خلال النهار ، ودليل عدم استراط تبييت النيّة في صِيام النافلة هو ما رواهُ مُسلم في صحيحِه عن أم المؤمنين عائشة رضيّ اللهُ عنها حيثُ قالت : أن رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسلّم ؛ سألها في أحدِ الأيام : (يا عائشة : هل عِندكم من شئ ؟ ، فقالت : يا رسول الله ؛ ما عندنا شئ ، فقال : فإنِي صائِمْ).
- إذا شُقَّ على الصائم نافلة إكمال صومِه بعد الشروع فيه ؛ فَلا إثم ولا حرج عليه أن يقطعُه.
- يجب أن تستأذن المرأة المتزوجة من زوجها قبل شروعِها في صيام النافلة ؛ ودليلُ ذلك ما رواهُ البُخاري في صحيحِه عن أبي هُريرة رضيّ اللهُ عنه : أن رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسلّم ؛ قال : (لا تصوم المرأة وبعلها شاهِد إلا بإذنِهْ).