من ذوي الهمم لكنهم غيروا مجرى التاريخ
People with disabilities but with great abilities
People with disabilities but with great abilities
هل يمنعك شيء -عزيزي القارئ- عن تحقيق هدفك في الحياة ؟ هذا ليس بكلام يتدخل في قدرة الله سبحانه و تعالى على خلقه ، و ليس بكلام تنمية بشرية ، هذا سؤال استخباري عن إمكانياتك البشرية التي خلقك الله بها في أحسن تقويم ، فتارة تقول أنا ينقصني هذا و ذاك ، و آخر و أنا ينقصني كذا و كذا ، اعلم رحمك الله أن الله جعل كمال الخَلق و الخُلُق للأنبياء وحدهم ، أما بقية البشر يتفاوتون ما بين شيئًا في أخلاقهم أو شيئًا في خَلقهم و هيئتهم التي صورهم الله عليها ، و الفرق بين الأولى والثانية كفرق السماء عن الأرض ، فـ الأولى مكتسبة بعوامل بشرية ، أما الأخرى فكمل الله تعالى أشخاصاً بعينهم بقدرات هائلة تُميِزُهم عن الآخرين ، فهل سمعت -عزيزي القارئ- عن الذاكرة الحديدية و قوة الحفظ فيمن أصابهم العمى ؟ ، أو عن القدرات الحسابية و الرياضية و الفنية الهائلة و الذاكرة الحديدية و قوة الحفظ لمرضى التوحد ؟ ، فقد خلقنا الله في أحسن تقويم فمن فقد شيئًا كمّلَهُ الله بآخر ، و كم يزخر تاريخ أمتنا بعلماء و عظماء معاصرين و سابقين من ذوي الهمم و لهم قدرات خاصة أصابتهم عِلَّة في مطلع حياتهم فتغلبوا عليها و نهلوا من أنهار العلوم لا يحُدُهم شئ ، فأصبح يُشار إليهم بالبنان ، و بين سطور التاريخ حُفِرَت أساميهم ، ومن هؤلاء العظماء الذين نحن بصدد الحديث عنهم اليوم…..
- عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه ( Abdullah ibn Umm Maktum):
لعل أول ما تبادر إلى ذهني عند سماع مصطلح “من ذوي الهمم” ، هو من أكرمه الله تعالى و أنزل فيه قرآنًا يُتْلى إلى يوم الدين ، فأي صدقٍ و أيّ إيمانٍ كان يمتلك ، فمن هو عبدالله بن أم مكتوم ؟
هو من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن خال أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، وهو الذي أنزل الله تعالى فيه مطلع “سورة عبس” معاتبًا النبي صلى الله عليه وسلم لانصرافه عنه قال تعالى “عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى” ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلفه على المدينة في غزواته ، وكان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بلال بن رباح رضي الله عنه ، و سقط شهيدًا رضي الله عنه بعد أن قام بحمل لواء المسلمين في معركة القادسية سنة 15 هجرية.
2 – الأحنف بن قيس رضي الله عنه ( Al-Ahnaf bin Qais):
صحابي جليل من ذوي الهمم وهو الذي ضرب به المثل في الحلم ، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : “اللهم اغفر للأحنف” ، كان أعرجًا قصير القامة في رجليه اعوجاج ملتصق الفخذين فشق مابينهما ، كان إذا غَضِب غَضَبَ له مائة ألف سيف لايسألونه فيما غضب من شدة حلمه ، جمع خصال المروءة والشرف والسيادة والحنكة والحزم ، توفي رضي الله عنه سنة 67 هجرية بالكوفة.
3 – أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما ( Aban bin Othman bin Affan):
كان من فقهاء التابعين وأحد علمائهم في الحديث والفقه ، كان من ذوي الهمم مصابًا بالصمم والبرص والحول ثم أصابه الفالج وهو شلل نصفي للجسم طولًا ، تم تعيينه من قبل عبد الملك بن مروان واليًا على المدينة وقاضيًا بين الناس ، توفي سنة 85 هجرية.
4 – موسى بن نصير ( Musa bin Naseer):
من كبار القادة والفاتحين المسلمين ، من قبيلة بكر بن وائل ، امتلك الكثير من القوة والشجاعة وعلو الهمة فقام بفتح الشمال الأفريقي و بلاد الأندلس والكثير من مدن أوروبا ، رغم أنه من ذوي الهمم كان أعرجًا ، توفي عام 96 هجرية.
5 – بشار بن برد ( Bashar bin Burd):
قال الجاحظ عنه :”وليس في الأرض مولد قروي يعد شعره في المحدث إلا وبشار أشعر منه” ،
فمن هو بشار بن برد ؟
هو إمام الشعراء المولدين وهو من الشعراء المخضرمين؛ فهو معاصر لنهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية ، شاعرًا من ذوي الهمم وُلِدَ أعمى ، له دواوين عدة ، ولم يكن في الشعراء المولدين أصوب بديعًا منه ، كان من أجود الشعراء و سابقيهم المجودين ، غزير الشعر، سمح القريحة ، قليل التكلف.
6 – الإمام الترمذي ( Imam Tirmidhi):
صاحب إحدى كتب الصحاح الستة بعد القرآن الكريم “سنن الترمذيّ” هو الإمام محمد بن عيسى الترمذي ، كان رحمه الله من ذوي الهمم فاقدًا للبصر ، وهو من كبار العلماء في علم الحديث له عدة مؤلفات منها : (سنن الترمذي – العلل المفرد – الشمائل المحمدية – الزهد) ، توفي سنة 279 هجرية.
7 – أبو العلاء المعري ( Abu Ala AlMaari):
هو فيلسوف وأديب وشاعر من ذوي الهمم في العصر العباسي ، درس علوم الحديث والتفسير والفقه وعلوم اللغة والأدب والشعر ، يُنسبْ إلى بلدة معرة النعمان في الشمال السوري التي وُلِدَ وتُوفِي فيها ، أُصيب بمرض الجدري في الرابعة من عمره ففقد بصره إثر ذلك ، بدأ يقرض الشعر في سن مبكرة حوالي الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان و أكمل دراساته بحلب ، وقد أثرى الأدب العربي بكتاباته ودواوينه الشعرية ومنها : (كتاب اللزوميات في الفلسفه – ورسالة الغفران – و سقط الزند).
8 – لودفيج فان بيتهوفن ( Ludwig van Beethoven):
يكاد لا يخلو مسمع أحد من الموسيقيين عن موسيقى بيتهوفن ، فمن هو بيتهوفن؟
هو مؤلف موسيقي من ذوي الهمم ، فقد حاسة السمع بالكامل فأصبح مصابًا بالصمم في الثلاثينيات من عمره ، ألف مقطوعات موسيقية شهيرة ومبدعة لايزال يتم تدريسها إلى الآن في كليات التربية الموسيقية.
9 – جون ميلتون ( John Milton):
من أبرز شعراء الأدب الإنجليزي في القرن 17 فضلًا عن كونه مؤلفًا وملحنًا موهوبًا ، أصيب بالعمى في مطلع حياته ، له قصائد شعرية عظيمة في الأدب الإنجليزي لعل من أبرزها قصيدة :(الفردوس المفقود).
10 – توماس أديسون ( Thomas Edison):
مخترع المصباح الكهربائي المتوهج العملي و جهاز الفونوغراف وآلة التصوير السينمائي ، ولد أديسون عام 1847 ميلادية في ميلان ، عانى من مشاكل في السمع في سن مبكرة وذلك كان لإصابته بنوبات متكررة من الحمى القرمزية خلال مرحلة الطفولة دون تلقيه العلاج اللازم فأصبح من ذوي الهمم مصابًا بالصمم ، بدأ مسيرته الحافلة في ولاية نيوجيرسي حيث اخترع المكرر الآلي وغيره من الأجهزة التلغرافية ؛ لكن بلغت شهرته الآفاق حينما اخترع جهاز الفونوغراف سنة 1877 ميلادية، توفي توماس أديسون سنة 1931 ميلادية.
11 – طه حسين ( Taha Hussein):
في أواخر القرن 19 الميلادي تحديدًا عام 1889 في صعيد مصر محافظة المنيا ، ولد طفلًا كان السابع بين 13 طفلًا في أسرة متوسطة الحال ، و لتشخيص خاطئ لمرض في عينيه فقد بصره في الرابعة من عُمِرِه فقط ، لكن ألحقه والده بالكُتّاب فحفظ القرآن و شيئًا من الشِعر و السِيَر ، وكان طفلًا انطوائيًا ، و كان صديق أبيه يقول : ” إن طه لا يصلُح إلا أن يكون قارئًا للقرآن عند المقابر يتصدق عليه الناس” ، وكان أستاذه يسخر منه و يصيح قائلًا : ” اقرأ يا أعمى” ، و لكن ما أقعده ذلك عن سبيل العلم شئ و ما فقد والده الأمل فيه قط …
وفي عام 1902 التحق بالأزهر طالبًا للعلم ثم التحق بالجامعة المصرية ودرس ” الحضارة المصرية والأدب والتاريخ واللغات السامية و الفلسفة ” ، ثم أعد رسالة الدكتوراه الأولى في الآداب عام 1914 عن أديبه الأثير “أبي العلاء المعري” ، و نظرًا لنبوغه الشديد التحق ببعثة إلى فرنسا و تلقى دروسًا في التاريخ و علم الاجتماع ، و قد واجه الكثير من المتاعب بإهمال مرافقيه له حيث أن المراجع التي كان يريدها لم يكن أغلبها بطريقة “برايل ” إلى أن تعرف على السيدة “سوزان بريسو ” ؛ التي كانت مرافقة له للقراءة ثم أصبحت زوجته و مما قاله فيها أنه (منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم ) ، و أنجبا طفلين هما “أمينة ومؤنس” ، و استمرت حياته العلمية في فرنسا فحصل على الدكتوراه في علم الاجتماع برسالة عن العلامة العربي عبدالرحمن بن خلدون من جامعة السوربون في فرنسا ، و حصل في نفس العام على دبلوم الدراسات العليا في اللغة اللاتينية ، و عاد إلى مصر عام 1919 و عُيِنَ أستاذًا للتاريخ اليوناني و الروماني بالجامعة ثم أصبح أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب ، ثم أصبح وزيرًا للمعارف عام 1950 و وسع نطاق مجانية التعليم ، و له العديد من الأعمال الأدبية الهامة لعل أبرزها : ( الأيام – دعاء الكروان – المعذبون في الأرض – في الشعر الجاهلي )… و من أشهر أقواله : (إياك و الرضى عن نفسك فإنه يضطرك إلى الخمول ، و إياك و العُجب فإنه يورطك في الحمق ، وإياك و الغرور فإنه يظهر للناس كلهم نقائصك كلها و يخفيها عنك )….
رُشح طه حسين لجائزة نوبل 14 مرة ، و قدم له الرئيس جمال عبد الناصر جائزة الدولة العليا التي تقدم للرؤساء فقط ، توفي طه حسين في أكتوبر عام 1973 عن عمر يناهز 84 عامًا … و أخيرًا هذه كانت قصة حياة رجل ابتلاه الله بفقد بصره فأنار بصيرة الملايين من البشر .
12 – مصطفى صادق الرافعي ( Mustafa Sadiq Al-Rafii):
قال عنه مصطفى كامل : “سيأتي يوم إذا ذُكِرَ الرافعي قال الناس : هو الحكمة العالية مصوغة في أجمل قالب من البيان ” ، فمن هو الرافعي ؟
هو كاتب مصري من أصل سوري ، لقب بمعجزة الأدب العربي ، ولد سنة 1298 هجرية ، لم يحصل في تعليمه النظامي إلا على الشهادة الابتدائية بتفوق من دمنهور حيث كان يعمل والده قاضيًا بها ، ثم أصيب بمرض التيفود أقعده شهورًا فلم يكمل تعليمه وخرج من المرض مصابًا بالصمم ، ولم يعبأ بمرضه بل اجتهد على نفسه وتعلم كتابة الشعر والنثر ، بل لعلني أجزم بأن ديوانه من أعظم وأجمل دواوين الشعر العربي قاطبة ، ومن أبرز مؤلفاته : (حديث القمر – ديوان النظرات – المساكين وغير ذلك).
13 – هيلين كيلر ( Helen Keller):
هي إحدى رموز الاجتهاد و الإرادة الانسانية من ذوي الهمم ، أديبة ومحاضرة أمريكية الجنسية ، تم تلقيبها بمعجزة الإنسانية حيث أنها كانت فاقدة للسمع والبصر ؛ رغم ذلك ألفت ثمانية عشر كتابًأ ، وتم ترجمة مؤلفاتها إلى خمسين لغة ، ومن أبرز تلك المؤلفات : (كتاب أضواء في ظلامي – وكتاب قصة حياتي – والعالم الذي أعيش فيه – وهيلين كيلر في اسكتلندا – والخروج من الظلام – وأغنية الجدار الحجري وغير ذلك).
توفيت عن عُمّرٍ يناهز ثمانية وثمانون عامًا سنة 1968 ميلادية.
14 – عبد الله البردوني ( Abdullah Al-Bardouni):
من شعراء العصر الحديث ، وُلِدَ عام 1929 ميلادية في قرية البردون في اليمن ، فقد بصره في السادسة من عمره بسبب الجدري ، تخرج من كلية دار العلوم بصنعاء ، وتم تعيينه أستاذًا للآداب العربية ومسؤولًا عن البرامج في الإذاعة اليمينية ، له عشرة دواوين شعرية مشهورة منها : (في طريق الفجر – زمان بلا نوعية – أرض بلقيس وغير ذلك ) ، توفي عام 1999 ميلادية.
15 – عبد الحميد كشك ( Abdul Hamid Kishk):
هو عالم مصري كفيف البصر من ذوي الهمم ، من أشهر خطباء القرن العشرين في العالم العربي ، خطب مدة أربعين سنة دون أن يخطئ في اللغة العربية قط ، تم تلقيبه ب “فارس المنابر” وله أكثر من ألفيّ خطبة مسجلة ، حفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره ، أكمل دراسته في كلية أصول الدين بالأزهر ، وكان الأول على الكلية طوال سنوات دراسته ، وكان يقوم بشرح المواد العلمية للطلاب بتكليف من أساتذته ، له مؤلفات عديدة منها : كتابه (في رحاب التفسير).
16 – ستيفن هوكينغ ( Stephen Hawking):
عالم فيزيائي بريطاني تبلغ شهرته الآفاق من ذوي الهمم ، وُلِدَ سنة 1942 ميلادية ، نشأ في عائلة صغيرة وعندما بلغ الحادية والعشرين من عُمُرِه اكتشف الأطباء إصابته بمرض “التصلب الجانبي الضموري” وهو مرض عضلي يجعله عاجزًا عن المشي فأصبح قعيدًا على كرسي متحرك وفقد أيضًا القدرة على الكلام نهائيًا بعد ذلك ، كان عالمًا بارعًا في الفيزياء ترك خلفه ثروة ضخمة من الدراسات الفيزيائية في مجال الثقوب السوداء والزمن والكون ، له مؤلفات عديدة منها : (الفضاء العملاق والجاذبية الخارقة – الكون البدائي – تاريخ موجز للزمن – الكون في قشرة جوز – التصميم العظيم) ، أخذ العديد من الجوائز والنياشين منها : (رتبة قائد من بريطانيا – الميدالية الرئاسية للحرية – وسام كوبلي من الجمعية الملكية – تم تعيينه أستاذًا للفيزياء و الرياضيات في جامعة كامبريدج) ، كانت وفاته في مارس سنة 2018 ميلادية.
وختامًا يجب علينا دمج فئات المجتمع جميعها كنسيج واحد ، كي لا يتم نبذ أيًا من أفراد المجتمع أو تنمية الشعور بالتمييز والعنصرية ، فلا يجب أن يتم تخصيص أماكن بعينها في الأماكن العامة ويُقال لها أنها مخصصة لذوي الهمم ، ويجب أن يتم شملهم في النظام الوظيفي والتعليمي العام ، كيّ يتم تنشئة جيل سويّ من أبناء المستقبل.