أخرىإسلامياتالأسرة والمجتمع

الطلاق

لم يعد لـ كلمة الطلاق رهبة في النفوس كما في السابق بل و أصبحت لدى كثير من الناس لا تعني سوى مرحلة من مراحل العلاقات التي قد يمر بها الزوجان إذا قررا الإنفصال في أي وقت و أياً كانت أسبابهم و ربما نستشعر أهمية الموضوع أكثر بعد الإطلاع على معدلات الطلاق حول العالم وسـ نتفاجئ حقاً عندما نرى أن هناك بلاد تساوي نسب الطلاق فيها 50 % أو أكثر أي أن أكثر من نصف حالات الزواج تنتهي بالطلاق:

الدولةنسبة الطلاقتاريخ الإحصائية
الجزائر15.84%2013
مصر17.27%2010
الأردن25.49%2010
الكويت42.31%2010
لبنان16.84%2007
ليبيا23.15%2008
قطر33.33%2011
السعودية21.15%2005
سوريا12.26%2006
الإمارات25%2005
امريكا44.62%2017
انجلترا40.91%2015
تركيا21.33%2016
اليابان35.42%2019
ايران14.29%2017
ايطاليا47.06%2016
المانيا40%2016
فرنسا54.29%2016
الصين44.44%2018
البرازيل21.21%2009
كندا47.73%2008
استراليا43.48%2017
اسبانيا56.76%2016
فيتنام7.02%2015

من أسباب الطلاق ( Potential reasons for divorce ):

يظن كثير من الناس أن الطلاق يحدث عند فسخ عقد الزواج إلا أن في إعتقادي الشخصي أن فسخ عقد الزواج هو آخر مرحلة من مراحل الطلاق و أن بوادر الطلاق تبدأ قبل هذا بكثير ، فهي تبدأ في اللحظة التي يشعر فيها أحد الزوجين أن هناك مشكلة بلا حل فيبدأ الزوجان بالاستسلام لهذا الوهم ، وهم أن هناك مشاكل بلا حل و لو أعاد كل منهما التفكير مراراً و تكراراً لوجدوا مئات الحلول حولهم إلى أن أهواءهم الشخصية تدعوهم دائماً لرفض هذه الحلول فيبدأون بذكر محاسن الطلاق و أنّ مشروعيته إنما كانت بسبب هذه الأسباب و إلا لما شُرعه الله عز وجل.

قد يحصل الطلاق بسبب ملايين الأسباب أو الدوافع المعروفة مثل المشاكل الحياتية العادية أو الخيانة أو تعاطي أحد الزوجين للمخدرات  أو أو.. إلخ لكن ما سنحاول طرحه هنا هو مجموعة من الأسباب الغير ظاهرة أو التي لا تخطر على بال الكثيرين بالرغم من أنها قد تؤدي إلى الطلاق بشكل مباشر و أهم ما يميز هذه الأسباب أنها تعتمد على الوقت بشكل كبير فهي خلاصة تراكمات و سلوكيات خاطئة دامت لفترات طويلة إلى أن تؤدي إلى الطلاق ومن أبرز هذه الأسباب هي:

  1. العادات التربوية الخاطئة التي قد تؤدي إلى الطلاق ( Bad parental habits that may lead to divorce ):

الإنسان ما هو إلا مجموعة أفكاره التي يتعلمها منذ صغره و قد قيل قديماً من شبَّ على شئ شاب عليه وبالتالي فما نكون عليه حين نكبر ما هو إلا نتاج ما تعودنا عليه في صغرنا و من هنا تكون التربية السليمة هي إحدى أهم أسباب وعوامل نجاح الزيجات في المستقبل، فالتربية السليمة يجب أن تكون قائمة على تعليم المسؤولية و المشاركة و تحطيم الأفكار النابعة من الجهل و تعليم كل من الذكور و الإناث أدوارهما في الحياة و مسؤولياتهم دون إفراط أو تفريط ، و لا أقصد بالمسؤولية هنا القدرة على الحصول على المال فقط و لكن القدرة على حل المشكلات و التصرف الصحيح في المواقف و هذا يحتاج إلى الكثير من التدريب من الآباء و الآمهات فبدلاً من تدخل الآباء و الآمهات في جميع مشاكل الأطفال يجب عليهم أن يدعوا لهم الفرصة لإصلاح أخطاءهم و التحدث إليهم دائماً و كأنهم أهلاً للثقة و محلاً لها و أنه بقليل من التفكير و عدم التسرع قد يصل الأطفال إلى حلول مبتكرة لحل مشكلة أو التفكير جيداً قبل إتخاذ أي قرار و هذا يعني بالضرورة أن ترك لهم الحرية في إختيار قراراتهم في حياتهم عندما يكونوا في عمر مناسب لهذا فلا نجبرهم على دراسة تخصص معين دون آخر و لا نجبرهم على إختيار شريك حياة و حتى في أدق تفاصيل الحياة كشراء الملابس و جميع الأشياء التي تعتمد على الذوق الفردي للأشخاص يجب على الأطفال أن يتقنوا الإختيار في كل شئ في الحياة منذ صغرهم حتى إذا أصبحوا في سن الزواج أصبحت عقلياتهم معدة جيداً للإختيارات المبنية على العقل و التريث و التي عادة ما تقود إلى خيارات رشيدة في الحياة.

  1. 2-العنف الأسري و التنمر ( Domestic abuse / violence ):

العنف و التنمر قد يدمران أي شئ في هذه الحياة و ليس فقط الزواج..

سمعنا مؤخراً كثيراً بمصطلح التنمر و أصبح كثير من الناس يستخدمونه جزافاً دون معرفة حقيقية لمعناه و الجدير بالذكر أن التنمر هو الإساءة المستمرة و المتعمدة و المتكررة باستخدام السلطة الأعلى في العلاقات من خلال السلوك اللفظي و / أو الجسدي و / أو الاجتماعي المتكرر الذي يهدف إلى التسبب في إلحاق الضرر النفسي أو الجسدي للأشخاص.

المشكلة الحقيقة في التنمر و التي يجهلها كثير من الناس هو أنه يسبب ألم عميق جداً في النفس للحد الذي يصبح فيه العلاج صعب جداً و يحتاج إلى كثير من التأهيل النفسي خلال مدة طويلة من الوقت فهو يعتمد على تكرار ذكر نقائص الناس أمام أعينهم و نعتهم بها معظم الوقت حتى تصبح أخطاءهم هى محور حياتهم فلا يرون أي إنجازات في حياتهم و لا يفرحون بما كان مصدراً للفرح لهم في يوم من الأيام بل يبدأون بالتقوقع حول أنفسهم و يرفضون ذواتهم مع الوقت حتى يصبحوا في سخط مستمر على أنفسهم حتى و إن كانت الصفة التي يوصفون بها ليست فيهم من الأساس ، و يؤثر هذا على الحياة الزوجية بشكل سلبي جداً جداً و ليس بشكل سريع بل قد ينفصل الزوجان بعد سنوات طويلة جداً من تنمر أحدهما بالآخر و يحدث الطلاق في الغالب عندما يبدأ المجني عليه بعلاج نفسه و معرفة قيمتها فيستيقظ يوماً من الأيام رافضاً للوضع المزري الذي أصبح فيه ثم يبغض كل شئ كان يذكره بشريك حياته و قد تصل في أحيان كثيرة إلى الأطفال كذلك ولا يتردد المجني عليه في العلاقة في الطلاق لحظة واحدة حتى و إن كلفه هذا أمواله / أموالها كلها.

لذلك فـ الحل دائماً في التنمر هو القضاء عليه في أوله حتى لا يتمكن من النفوس و ما إن يلاحظ أحد الأشخاص أن هناك من ينعته بصفة كريهة بإستمرار فعليه الوقف بحزم من البداية للقضاء على هذه الخصلة المستحدثة قبل فوات الآوان.

  • 3-تدخل الأهل و الأصدقاء بدعوى الإصلاح ( Intervention of families and friends ):

لا يمكن لأي إنسان أن يعيش بمفرده و لا ريب أن الأهل و الأصدقاء هم من أولى أولويات حياتنا الذين لا يمكننا العيش بدونهم و لا يمكننا أن نتخلى عنهم ابداً ، إلا أن احترام خصوصية الزواج و عدم جعل علاقة الزوج بزوجته محل نقاشات عائلية أو محل نقاشات في جلسات الأصدقاء امر ضروري جداً و هذا لا يعني أبداً أن آراءهم غير سديدة أو غير مهمة و إنما تعني أن آراءهم لن تؤثر بشكل إيجابي على العلاقات الأسرية.

سيبقى دائماً هناك الكثير من التحيز و انعدام الشفافية من الأهل لأحد الطرفين في كثير من الأمور مما يجعل كلمة الحق دائماً قاسية على طرف و مصدر راحة للطرف الآخر مما قد يتسبب في حل مؤقت للمشاكل و لكنه يولد الضغائن و يجمعها في القلوب بمرور الوقت و ما يلبثان إلى أن تتجدد الخلافات بينهم مجدداً ليتدخل الأهل أو الأصدقاء مرة أخرى فيتكرر نفس الحوار الظالم مع الأهل و الأصدقاء لتتولد سلسلة من الضغائن و الأحقاد في القلب وما إن يصبح من الصعب على أحد الزوجين أن يعيش مع الآخر حاملاً كل هذه الضغائن حتى يطلب الطلاق.

\

و الأصل دائماً في التعامل مع الخلافات الزوجية  هو أن يحاول الزوجان وحدهما حل مشاكلهما الشخصية فإن لم يستطيعا فالأولى أن يتجها للمختصين بدلاً من الإتجاه لأحاديث الغيبة و النميمة في جلسات الأهل و الأصدقاء التي لا تغني و لا تسمن من جوع.

  • 4-الأطفال و المسؤولية ( Children and responsibility ):

يتصور كثيراً من الناس للأسف وخاصة صغار السن و المقبلين على الزواج أن الحياة الزوجية مليئة بالسعادة فقط وخالية من أي مسؤوليات و يبنون الكثير من الأحلام الوردية على شريك حياتهم في المستقبل في حين يتناسون دائما أن الحياة لن تخلو من المسؤولية سواء كنت طفلاً أو شاباً أو زوجاً أو أباً وهذا جزء طبيعي من كدر الحياة فالله تعالى يقول ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ) [ الآية 4 – سورة البلد ].

والأطفال من أعظم المسؤوليات في الحياة كونهم في احتياج دائم للرعاية من قبل الوالدين و الجهل بالمسؤولية تجاه الأطفال يولد الكثير من المشاكل بين الزوجين و تتفاقم هذه المشاكل مع وجود الجهل بالتعامل معها و طرق حلها و غالباً ما تصل للأطفال و يؤثر الجهل بالمسؤولية تجاه الأبناء إلى تفريط في حقهم من قبل الوالدين مما يؤثر بالسلب على حياتهم النفسية و العقلية و ما إن يكبروا حتى تكبر هذه المشاكل معهم فيصبحوا ضعاف النفوس و تمتلأ قلوبهم بكل مشاعر الكراهية مما يتسبب في جعل الحياة أصعب كثيرا على الآباء و الأمهات و الذين عادة ما يلجأون إلى الطلاق فراراً من المشاكل.

النتائج المترتبة على الطلاق ( Divorce consequences ):

قام الخبراء على مدار الأزمنة بتحليل تبعات الطلاق من عدة وجهات نظر و اجتمعوا على معظم الآتي:

  1. .   أثبتت الدراسات أن الزوجان بعد الطلاق يصبحون أقل سعادة في حياتهم و أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية و من بينها الإكتئاب.
  2.     تغير الحالة الإقتصادية لكل من الزوجين بعد الطلاق إلى الأسوأ دئماً.
  3.  حدوث الكثير من المشاكل العاطفية و التخبط في التصرفات فقد يسرع الرجل أو المرأة للزواج مرة أخرى و هذه المرة يكون الزواج غير متكافئ أبداً فقد يرغب صاحب الخمسين في الزواج من ابنة العشرين و العكس بدون أسباب واضحة.
  4. التأثير السلبي على الأطفال التي يتضمن التأثير السلبي في جميع نواحي الحياة و منها الدراسية و المادية و الإجتماعية و تغير في سلوكياتهم بشكل عام.
  5. تفكك المجتمع بالتبعية.
  6. الفصل بين الأخوة حيث عادة ما يقرر الأبناء اختيار احد الوالدين للعيش معه و يختار آخرون الطرف الآخر.
  • معايير ناجحة لإختيار شريك الحياة ( Criterias to choose your soulmate ):

تختلف المعايير الناجحة لاختيار شريك الحياة بإختلاف الثقافات و البيئات حول العالم و لكن سنحاول هنا استعراض الأمور الجوهرية التي لا تعتمد على البيئة و إنما تعتمد فقط على الأشخاص في كل مكان و كل زمان ومن هذه العوامل:

  1.  التوافق الفكري و الديني ( Intellectual and religious compatibility ):

لا أريد أن أن أصدم الكثير من أصحاب أحلام اليقظة لكن لا يوجد ما يسمى بالحب من أول نظرة أو حتى من النظرة الثانية هذا قد نسميه إعجاب و ليس حب و لكن الحب يأتي أولاً من القلب إذا شعر الطرفان وجود الكثير من التوافق الفكري بينهما و هذا في الحقيقة ما يجعل الحب يدوم أطول و هو ربط الحب بـ جزأ لا يتجزأ من حياة الإنسان و هو وعيه و تفكيره و عقيدته فـ إنجذاب البدايات ليس دليلاً على الحب و لكن الصمد للنهاية هو الدليل على الحب ولن يصمد أحد حتى النهاية مع شريكه إلا اذا كان متوافقا معه بشدة في التفكير و العقيدة فما أن يزول حماس البدايات حتى يعود كل طرف إلى سابق عهده و لن تنجح العلاقة إلا إذا كان سابق عهدنا متوافق كما توافقت بداياتنا السعيدة!.

  •  2 – التوافق التعليمي (ُEducational compatibility ):

في الحقيقة التوافق التعليمي ما هو إلا خطوة لكي نحقق التوافق الفكري و الإجتماعي فالتعليم يغير من طريقة تفكير الأفراد و يرسم لحياتهم منحنى مختلف عن ما كانوا عليه ، حقاً صدق من قال أن العلم سلاح فهو كذلك بالفعل فالشخص المتعلم كـ المسلح الذي يقف يدافع عن قيمه و مبادئه من خلال لسانه و علمه ، فالتعليم يعطي صاحبه رفعة و مكانة شاء من شاء و أبى من أبى ، ولا يعني هذا أن يغتر المتعلم بعلمه أو يتكبر به لأنه في الحقيقة إذا فعل ذلك فإنه لم يدرك بعد العلم الذي يهذب نفسه و يورثه التواضع..

وتأتي أهمية التوافق التعليمي في الزواج لأنها في الحقيقة و كما ذكرنا سابقاً هى أسرع وسيلة للوصول للتوافق الفكري و العقائدي و هذا أكثر عامل يؤثر على نجاح إختيار شريك الحياة.

  • 3.   التوافق الإجتماعي و الإقتصادي ( Economical and social compatibility ): 

قد لا يكون التوافق الاقتصادي مهم لدى كثير من الناس و لكنه مهم جدا كعامل أساسي لإختيار شريك الحياة و بشكل عام تختلف أهمية التوافق الاقتصادي بشدة بين الناس فهناك من تكون فقيرة جدا و تبحث عن زوج غني جدا و العكس ، و هذا قد لا يكون مشكلة كبيرة في حد ذاته بشرط أن يكون التوافق الفكري موجود و بنسبة عالية جداً ، أما إذا كان التوافق الفكري ضعيف فإن التوافق الإجتماعي حتماً سيكون شرط أساسي لاختيار شريك الحياة.

  • مشروعية الطلاق (Divorce legitimacy):

شرع الله الطلاق و أباحه رحمةً منه سبحانه و تفضلاً لأن هناك الكثير من الحالات التي يكون فيها الطلاق هو الحل الأمثل بل قد ينتقل الطلاق أحيانا من الإباحة إلى الإستحباب أو حتى الوجوب بناءاً على الأحداث الجارية بين الزوجان و لكني لستُ بصدد الحديث عنها الآن لأنه لا يخفى على الجميع أن الطلاق أصبح سهلاً جداً لدى معظم الناس فكان الواجب و الأولى التنبيه من التساهل فيه و التحذير من استباحة هدم البيوت لأسباب واهية لا تنم إلا عن انعدام المسؤولية و قلة الخبرة و الإنسياق وراء كلام الحاقدين الذين يظهرون الحب و يبطنون الكره أعاذنا الله منهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى