الإعاقات البصرية بشتى أشكالِها
Visual impairments of all kinds
خلق الله تعالى البشر أصنافًا وألوانًا ؛ وابتلى كُلٌ من عبادِهْ على قدر ما تتحملَّهُ نفسه سواءًا كان هذا الإبتلاء : رفعةً ومكانة في الحياة الدنيا والآخرة ، أو كان الإبتلاء تكفيرًا لما اقترفتهُ أيدينا.
وعادةً لا يتبيّن الإبتلاء للأشخاص بصورة عينية ؛ فكم من شخصٍ مُبتلى بشكل نفسي أو عُضوي ولكن لا تظهر عِلَّتهُ للعيان ؟! ، وكم مِنْ مُبتلى عضويًا بصورة ظاهرة يُعايِّن الناس حالتهُ بصورة مُباشرة ؟!.
ومِنْ تِلكَ الإبتلاءات العينية التي قد تحدُث إلى كثيرٍ من الأشخاص “الإعاقات البصرية”.
فما هي الإعاقات البصرية ؟ ، وما هي أنواعها ؟ ، وكيف يتم تصنيفِها ؟ ، وهل هُناك أسباب مُحددة للإصابة بها ؟ ، وما هي أبرز أعراضِها بالنسبة للأطفال وبالنسبة للأشخاص البالغين ؟ ، وما هو أنسب عِلاج لِحالات الإعاقات البصرية ؟
ولعل آخر سؤال سنتسآله : هل يا تُرى كونك شخصًا طبيعيًا صحيح البصر دخلت يومًا إلى عالم الأشخاص المُعاقين بصريًا ، وإذا كانت إجابتُك بنعم ، فما هي أبرز الخصائص الحياتية للأشخاص المُعاقين بصريًا ؟!.
ولكيّ تصِل إلى إجابة هذا السؤال الأخير ؛ عليك أولًا – عزيزي القارئ – أن تبدأ بمعرفة “مفهوم الإعاقة البصرية”.
مفهوم الإعاقة البصرية (The concept of visual impairments):
هي عبارة عن حالة من العجز الكُلي أو أحد درجات ضعف البصر التي تحدّ من قُدرة الشخص على استخدام بصره بِـ كفاءة واقتدار ؛ مما يؤثر ذلك في مدى نمو وأداء الشخص عن الأشخاص الطبيعية ؛ وعادةً ما تشمل هذه الإعاقة ضعفًا أو عجزًا في الوظائف البصرية للبصر المركزي أو المُحيطي ؛ فَـ تُعيق الفرد عن مُمارسة حياتُه بصورة طبيعية ، وغالبًا ما تحدُثْ الإعاقة البصرية بسبب أحد تلك الأسباب الآتية : تشوُّه تشريحي خِلقِي ، أو إصابة العين بالأمراض ، أو حدوث جروح في العين.
ويحتاج أصحاب الإعاقات البصرية إلى برامج وخدمات تربوية ؛ بالإضافة إلى تعلُم طريقة حروف “برايل” أحيانًا ؛ وتكون تلك الخدمات عادةً تبعًا إلى نوع الإعاقة البصرية : هل هي عبارة عن كف بصري تام ؟ أم أنها عبارة عن كف بصري جزئي فقط ؟.
أنواع الإعاقة البصرية (Types of visual impairments):
- الكف البصري التام (Visual total Loss):
وهم الأشخاص المكفوفين الذين تتطلب حالة فقدانِهم للبصر بشكل تام إلى تعلُّم طريقة برايل في نُطق اللغة.
- ضعف البصر الجزئي (Partial visual impairment):
وهم الأشخاص الذين يستطيعون الرؤية من خلال المُعينات البصرية المُختلفة ؛ والتي عادةً ما تتمثَّل في استخدام : النظارات الطبية ، أو العدسات اللاصقة.
مُصطلح الكف البصري التام (The term of total visual loss ):
هو الشخص الذي لا يستطيع الإبصار على الإطلاق ، أو هو الشخص الذي لا تزيد حِدَّة إبصارِه عن 20/200 في أقوى عينيه ويكون ذلك بإستخدام نظارة طبية أيضًا ، وتختلف أيضًا درجة الإبصار من فردٍ إلى آخر بالنسبة للأشخاص المكفوفين ؛ حيثُ أنها ترتبط بِـ سن الكفيف ووقت إصابتهُ بهذا العجز ، فَنجد أن هناك الأشخاص الذين قد يولدون فاقدي البصر تمامًا ، ونجد أن هناك أشخاصًا آخرون قد يفقدون بصرهم بعد مرور فترة زمنية ؛ مما يجعلهُم ذلك يحتفظون ببعض الصور الذهنية التي قد اكتسبوها في عُقولِهم قبل أن يفقدوا حاسة البصر تمامًا ؛ وبالتالي يُساعدهم ذلك في إدراك الأشياء المُحيطة ببيئتِهمْ عن طريق حاسّتيّ اللمس والسمع.
الأُسس العامة في تصنيفات الإعاقة البصرية (General foundation classifications of visual impairment):
- تصنيف الإعاقة البصرية من حيث السبب (Classification of visual impairment by cause):
وهي تتضمن : مجموعة الأسباب التي تتمثّل في العوامل الشخصية والبيئية ؛ فهي الأسباب التي تحدُث سواءًا في فترة : ما قبل الولادة ، وأثناء الولادة ، وما بعد الولادة.
- تصنيف الإعاقة البصرية من حيث النوع (Classification of visual impairment by type):
وهي التي تتضمن مشاكِلْ عديدة ، مثل : {طول النظر ، وقِصر النظر ، وصعوبة تركيز النظر ، والإستجماتيزم ، والإلتهابات القرنية ، والحوّل ، وتحرُّك العين ، وعمى الألوان ، وفوبيا الضوء}.
- تصنيف الإعاقة البصرية من حيث درجة الإبصار (Classification of visual impairment in terms of degree of vision):
- الكف البصري التام بالنسبة للأشخاص الذين قد وُلِدوا أو أُصيبوا بعجزِهم الكُلي في البصر قبل أن يصلوا إلى سِنْ الخامسة.
- الكف الكُلي للبصر بالنسبة للأشخاص الذين قد أُصيبوا بعجزِهم البصري التام بعد أن وصلوا إلى سِنْ الخامسة.
- الكف الجزئي للبصر بالنسبة للأشخاص الذين قد وُلِدوا أو أُصيبوا بعجزهم في ضعف البصر قبل أن يصِلوا إلى سِنْ الخامسة.
- الكف الجزئي للبصر بالنسبة للأشخاص الذين قد أُصيبوا بالضعف في قدرة الإبصار بعد أن وصلوا إلى سِنْ الخامسة.
- تصنيف الإعاقة البصرية من حيث القدرة على الإبصار (Classification of visual impairment in terms of visual ability):
وهي طِبقًا إلى مِقياس ٍسِنلن ، تتضمن :
- المكفوفون كُليًا الذين تقِلْ حِدَّة إبصارِهم عن 20/200.
- المكفوفون الذين يستطيعون إدراك الحركة من حولِهم ؛ وهم الأشخاص الذين تصِلْ حِدَّة إبصارِهم إلى 5/200.
- المكفوفون الذين يستطيعون القراءة ؛ ويكونوا من الأشخاص الذين تصل حدة ابصارهم إلى 10/200.
- المكفوفون الذين يستطيعون القراءة ؛ ويكونوا من الأشخاص الذين تصِلْ حِدَّة إبصارهم إلى أقل من 20/200.
- المكفوفون الذين يستطيعون القراءة : ويكونوا من الأشخاص الذين تصل حِدَّة إبصارهم إلى 10/200 ، إلا إن حِدّة الإبصار تلك لا تؤهل هؤلاء الأشخاص إلى مُتطلبات الحياة اليومية.
أسباب الإصابة بالإعاقة البصرية (Causes of visual impairment):
- أسباب ترجع إلى ما قبل الولادة :
وهي كافّة الأسباب التي ترتبط بالعوامل الوراثية والبيئية ، التي تتمثَّل في : {العوامل الجينية ، والحصبة الألمانية ، والعقاقير والأدوية ، وأيضًا عندما تتعرَّض الأم الحامل للأشعة السينية} ، وهي العوامل التي تؤثِرْ بدرجات مُتفاوتة على مدى نمو الجهاز العصبي المركزي للحواس ؛ وتُؤثِرْ كذلك أيضًا على المراكِزْ المُخِيَّة الخاصَّة بِحاسَّة الإبصار ، وتؤثِر تلك الأسباب السابقة بشكل كبير على نشوء كثير من أنواع الإعاقات المُحتملة التي تخُصّ العين ، مثل الإصابة بِـ : قِصَرْ النظر ، أو طول النظر ، أو ولادة الطفل كفيفًا سواءًا كانت إصابة الطفل في عينيه : بشكل كُلِي أو جُزئي.
- أسباب ترجع إلى ما بعد الولادة :
وهي التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعواملْ البيئية والشخصية ؛ وعادةً ما تتمثَّل العوامِلْ الشخصية في : {التاريخ الوراثي العائلي ، والتقدُم في العُمر ، و سوء التغذية ، و التعرُّض للحوادث أو الأمراض ، و المُعاناة من حدوث بعض الإصابات بالعين} ؛ وقد تؤدي تلك الأسباب السابقة جميعًا إذا قد تمَّ إهمال عِلاجها إلى الإصابة بالعمى أو ضعف حدة الإبصار لدى الشخص.
أمّا العوامل البيئية فإنها تتمثَّل في إصابة العين ببعض الأمراض ، مثل : المياه البيضاء ، أو المياه الزرقاء ، أو التهاب التراكوما ، أو التهاب القزحية ، أو التهاب القرنية ، وغير ذلك من الأمراض التي قد يكون بعضها كامنًا لدى الشخص المُصاب منذ الولادة ؛ ثمَّ تُساهِم العوامل البيئية فيما بعد بتحفيز ظهور تلك الأمراض في العين.
أسباب أخرى :
- الضمور البُقعي المُرتبط بالتقدُّم في العُمُرْ.
- نقص فيتامين (أ).
- ضعف الشبكية الناتج عن إصابة الإنسان بمرض السُكَّر.
- حدوث تليُف خلف عدسة العين ، أو إعتام القرنية.
- إصابة العين ببعض الأورام.
- حدوث إضطرابات في الجهاز العصبي.
- أخطاء انكسار النظر غير المُصححة.
- إصابة الشخص بطول النظر.
- إنفصال الشبكية.
- ظهور العصب البصري.
أعراض الإصابة بالإعاقة البصرية بالنسبة للبالغين (Symptoms of visual impairment in adults):
- الإصابة بالرؤية المزدوجة.
- ظهور بُقَعْ عمياء في مجال الرؤية ، أو أن تكون الرؤية غير واضحة للمريض في بعض المناطق.
- أن يكون للمريض صعوبة في تمييز الأشياء ورؤيتِها في أحد الجانبين.
- أن يرى المريض هالات حول الأضواء.
- أن يُعاني المريض من عيون مُلتهبة حمراء.
- أن يُعاني الشخص من بعض الصعوبة إذا اضطر إلى القراءة في الليل.
أعراض الإصابة بالإعاقة البصرية بالنسبة للأطفال (Symptoms of visual impairment in children):
- حكّ العين بشكل مُستمِرْ.
- المُعاناة من ضعف التركيز.
- ظهور اللون الأبيض في بؤبؤ العين بدلًا من اللون الأسود.
- أن تظهر حساسية شديدة في العين تِجاه الأضواء.
- أن يُعاني الطفل من تدميع مُزمِن.
- أن يُعاني الطفل من بعض المشاكِلْ في مُتابعة جسم مُعين بحركة عينيّه.
- أن تظهر بعض الحركات الغير الطبيعية للعين ؛ وتكون بشكل خاص بعد بلوغ الطفل سِنْ الـ 6 أشهُرْ.
عِلاج الإصابة بالإعاقة البصرية (Treatment of visual impairment):
أغلب حالات الإعاقة البصرية تحدُث نتيجة إلى إعتام عدسة العين بنسبة 33% ، أو تحدُثْ نتيجة إلى حدوث أخطاء إنكسارية غير مُصححة بنسبة 43% ؛ ومن أشهر الأخطاء الإنكسارية : {قِصر النظر ، وطول النظر ، والإستجماتزم أو اللابؤرية} ؛ وفي تلك الأخطاء الإنكسارية لا يكون للقرنية أو العدسة شكل مُنحني تمامًا ؛ وحينما يكون ضعف البصر ناجمًا عن حدوث تلك الأخطاء الإنكسارية في العدسة ؛ يتمثّل العلاج عادةً في أحد الطُرق التالية :
- إرتداء النظارات الطبية.
- استخدام العدسات الطبية اللاصقة.
- الخضوع إلى عملية الإنكسار التي تعمل على تصحيح ضعف البصر بنسبة كبيرة.
هناك 20% من حالات ضعف البصر التي لا يوجد لها عِلاج حتى وقتِنا الحالي ؛ فهناك العديد من الحالات التي يفقد المُصاب فيها البصر بشكل تدريجي إلى أن يصل ضعف البصر هذا إلى مراحِلْ مُتقدمة جدًا قد تصِلْ بالشخص إلى الإصابة بالعمى التام ، وتُعتبر أمراض اعتلال شبكية العين أحد الأمراض التي لم يتم اكتشاف أيّ علاج يُناسِبُها بالشكل الأمثل حتى وقتنا الحالي ؛ فاعتلال الشبكية يؤثِرْ على الشبكية ويُحطِّمُها ، فَـ الشبكية هي الطبقة التي توجد في مؤخرة العين ؛ والتي تحتوي بدورِها على عِدّة خلايا تعمل على تحديد وتميِيز الضوء الذي يَصِلْ إلى العين ، وعادةً ما يخضع الأشخاص المُصابون بِـ اعتلال الشبكية ؛ والذين لا يزالون يحتفِظون بِحِدّة بصر جيدة إلى أحد العلاجات التالية التي تعمل على التحسين من حالتِهم المرضية عن طريق حماية الخلايا التي توجد في شبكية العين من الضرر قد يُصيبُها نتيجة للإصابة بالاعتلات الكيميائية الجيوية ؛ ومِنْ تلك العِلاجات نذكُرْ :
- العلاج الجيني.
- عِلاج حماية الخلايا العصبية.
الخصائص الحياتية لِلأشخاص المُعاقين بصريًا (Life characteristics of visually impaired persons):
- انخفاض مُستوى الخبرات الحياتية مُقارنةً بالخبرات الحياتية للأشخاص الطبيعيين ؛ وذلك لأن الشخص الكفيف لا يستطيع أن يتحرّك بسهولة ويُسرْ أو يتمتع بنفس المهارة الحركية التي يتمتَّع بها قرينُهُ المُبْصِرْ ؛ لذلك فقد تعوق الإعاقة البصرية الشخص عن الإستكشاف والمعرفة والإطلاع لِما يدور حوله مما يجعل ذلك أن يشعُر الشخص الكفيف بالعجز باستمرار ؛ إلا أنَّ المُعاقين بصريًا قد تكون حياتهم أسهل بعض الشئ إذا اعتمدوا على بقية حواسُهم في الإطلاع على الأمور ، وكذلك إن قاموا بِـ تعلُّم طريقة برايل في هِجاء اللغة خاصةً إن كانوا من الأشخاص المكفوفين كُليًا ، وأن لا يخجلوا من طلب العون من الآخرين في البيئة المُحيطة حتى لا يمنعُهم فُقدانِهم للبصر من التوافق الإجتماعي مع كافّة أطياف وطبقات المُجتمع التي قد تُحيط بِهم.
- الشخص المُعاق بصريًا عادةً ما يعيش بين عالمين : أحدهُما العالم العام الذي يعيش فيهِ الشخص المُبصِرْ والذي يُحاوِلْ الشخص المُعاق بصريًا على قدر الإمكان تصوُّر الحياة فيه ، والآخر هو العالم الخاص بالشخص المُعاق بصريًا الذي يعيش في أرجائِه باستخدام بقية حواسُهْ وإدراكاتِهْ الشخصية ؛ لذلك نُلاحظ أن الشخص المُعاق بصريًا يكون مُشتت المشاعِرْ بين عالميّه.
- قد يميل الشخص المُعاق بصريًا إلى السلوك العدواني سواءًا بالقول أو الفعل ؛ وينبُع ذلك من إحساسِهْ بالدونية التي تحدُث بسبب إحساسِه بالنقص الناتِج عن فُقدانِه للبصر وما قد ترتَّب ونشأ عن ذلك من قلة الخِبرات وعدم إدراكِه لِـ واقع الحياة.
- يُسيطر على الشخص المُعاق بصريًا إحساس بالقلق والاضطراب ؛ ويرجع ذلك إلى عدم شُعورِه بالأمان لِفقدانِه حاسة البصر.
- قد يُسيطر على الشخص المُعاق بصريًا شعور بالإحباط نتيجة لما قد يُصيبه من مواقف الفشل التي قد تُواجهه في مُحاولتِه لِـ مُمارسة حياتِه بشكل طبيعي كغيرِه من الناس ؛ وما قد يترتب على ذلك الفشل من عدم الثقة بالنفس ، بالإضافة إلى الشعور بالاغتراب نتيجة لانخفاض مستوى احترام الذات لديه مما قد يُصبحْ المُعاق بصريًا أكثر عُرضة للعُزلة والانطواء في هذا المُجتمع.
- عدم الإتزان الإنفعالي ؛ بالإضافة إلى عدم تناسُبْ الإنفعال الصادِرْ من الشخص المُعاق بصريًا تجاه المواقف الحياتية المُختلفة.
- استخدام الأساليب الدفاعية بصفة دائمة ومُستمرة كوسائل تُعين الشخص المُعاق بصريًا ولو بشكل مؤقت على الراحة النفسية ؛ ومِنْ تلك الأساليب الدفاعية نذكُرْ : الإنكار ، والتعويض ، والإسقاط ، والتبرير.
- الشخص المُعاق بصريًا يُعتبر أقل تكيُّفًا مع ذاتِه ، وهو كذلك أقل توافُقًا مع المجتمع ؛ وبالتالي يكون أقلّ تقبُلًا لغيرِه من الناس ، وأقلّ شُعورًا بالإنتماء إلى مُجتمع الأشخاص المُبصرين.